والثاني: جعلناه قبلة لصلاتهم، ومنسكا لحجهم، وهذا على أنه نفس المسجد. وقرأ إبراهيم النخعي، وابن أبي عبلة، وحفص عن عاصم: " سواء " بالنصب، فيتوجه الوقف على " سواء "، وقد وقف بعض القراء كذلك. قال أبو علي الفارسي: أبدل العاكف والبادي من الناس من حيث كانا كالشامل لهم، فصار المعنى: الذي جعلناه للعاكف والبادي سواء. فأما العاكف:
فهو المقيم، والبادي: الذي يأتيه من غير أهله، وهذا من قولهم: بدا القوم: إذا خرجوا عن الحضر إلى الصحراء. وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو: " البادي " بالياء، غير أن ابن كثير، وقف بياء، وأبو عمرو بغير ياء. وقرأ عاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي، والمسيبي عن نافع بغير باء في الحالتين.
ثم في معنى الكلام قولان:
أحدهما: أن العاكف والبادي يستويان في سكنى مكة والنزول بها، فليس أحدهما أحق بالمنزل من الآخر، غير أنه لا يخرج أحد من بيته، هذا قول ابن عباس، وسعيد بن جبير، وقتادة; وإلى نحو هذا ذهب أبو حنيفة، وأحمد; ومذهب هؤلاء أن كراء دور مكة وبيعها حرام، هذا على أن المسجد: الحرم كله.
والثاني: أنهما يستويان في تفضيله وحرمته وإقامة المناسك به، هذا قول الحسن، ومجاهد.
ومنهم من أجاز بيع دور مكة، وإليه يذهب الشافعي. وعلى هذا يجوز أن يراد بالمسجد الحرم، ويجوز أن يراد نفس المسجد.
قوله تعالى: * (ومن يرد فيه بإلحاد) * الإلحاد في اللغة: العدول عن القصد، والباء زائدة، كقوله تعالى: * (تنبت بالدهن) *، وأنشدوا:
- بواد يمان ينبت الشت صدروه * وأسفله بالمرخ والشبهان - المعنى: وأسفله ينبت المرخ; وقال آخر:
- هن الحرائر لا ربات أخمرة * سود المحاجر لا يقرأن بالسور - وقال آخر:
- نحن بنوا جعدة أرباب الفلج * نضرب بالسيف ونرجو بالفرج - هذا قول جمهور اللغويين. قال ابن قتيبة: والباء قد تزاد في الكلام، كهذه الآية، وكقوله تعالى: * (اقرأ باسم ربك) * * (وهزي إليك بجذع النخلة) * * (بأيكم المفتون) * * (تلقون