الجهات المعلوم حسنه متى علم العاقل أو ظن كونه وصلة إلى حسن، ووجوبه متى كان وصلة إلى واجب وقبحه متى كان وصلة إلى قبيح.
وإذا كان هذا متقررا في العقول وعلم بإخبار الرسل عليهم السلام عن علام الغيوب سبحانه كون المندوب العقلي وبعض المباح داعيا إلى الواجب العقلي وجب وكون بعض المباح داعيا إلى القبيح قبح، وكون بعض آخر داعيا إلى المندوب العقلي علم كونه مسنونا، كما تكون هذه حاله مع الظن.
وهذا قاض بفساد معتمدهم وموجب للقول (1) بحسن البعثة ووجوبها متى كانت بيانا لما لا سبيل إلى بيانه إلا من قبلها لوقوف ذلك على علم مرسل الرسل سبحانه.
وبعد فلو لم يكن في العقول إلا واجب وقبيح لم يمنع ذلك من حسن البعثة بالترغيب فيه وتقوية الدواعي إليه والزجر عن القبيح وتوفير الصوارف عنه ببيان المستحق على ذلك من الثواب والعقاب وكيفيتهما وصفة وفعلهما و مبلغهما والحال التي يفعلان فيها إذا كان العلم بذلك غير مستدرك بالعقل.
وبهذا يسقط أيضا ما يتجاهلون به من دعواهم أن الأنبياء جاءت بما يقبح في العقول من الشرائع، لأن ما جاؤوا به من صلاة وزكاة وصوم وجهاد و اجتناب الزنا والريا [الربا] والخمر وغير ذلك من العبادات والقبائح لا يجري في القبح مجرى الظلم والكذب بغير شبهة، وإنما يقبح إذا خلت من غرض مثله أو كان الغرض به قبيحا، والشرائع خارجة عن الوجهين لعلمنا بكونها داعية وصارفة إلى ما يستحق به الثواب ويتحرز له [عنه ظ] من العقاب بقول من ثبت صدقه على العالم بذلك سبحانه، وثبوت كونها كذلك يخرجها من باب العبث ويوجب كون الغرض بها حكمة كسائر الأفعال والتروك الجارية هذا