هنا وفي مسألة الإناءين بل في سائر المواضع إنما هو على جهة التوجيه للنص وبيان حكمة الأمر فيه، لأنه مع وجود النص فلا ضرورة تلجئ إلى التعليل بالوجوه العقلية.
على أن أحكام الشرع توقيفية لا تعلل بالعقول، كما أطال به المحقق الكلام في أول كتاب المعتبر وغيره في غيره، وحينئذ فلا اشكال. نعم هذا الاشكال موافق لما اختاره في ذينك الموضعين المتقدمين، ولكنه وارد عليه في هذا الموضع، حيث إن مقتضى ما اختاره ثمة الاكتفاء بغسل جزء من الثوب كما ذكره، ولكن النصوص تدفعه، وهو دليل على ما ادعيناه وصريح فيما قلناه.
و (ثانيا) أنه متى كان يقين النجاسة هنا يرتفع بغسل جزء مما وقع فيه الاشتباه بمعنى إنا لا نقطع حينئذ ببقاء النجاسة، لجواز كونها في ذلك الجزء الذي قد غسل فإنا نقول أيضا مثله في مسألة الإناءين: إنه بعد وقوع النجاسة في واحد منهما لا على التعيين فقد زال يقين الطهارة الحاصل أولا عن كل من ذينك الإناءين، وهكذا في الثوب والمكان المحصورين، فإنه قد تساوى احتمال الملاقاة وعدم الملاقاة في كل جزء جزء من تلك الأجزاء المشكوك فيها، وهذا القدر يكفي في زوال ذلك اليقين الحاصل قبل الملاقاة والخروج عن مقتضاه.
ومن ذلك اللحم المختلط ذكية بميته، فقد ذهب الأصحاب إلى تحريم الجميع من غير خلاف، وعليه دلت الأخبار:
و (منها) حسنة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) أنه " سئل عن رجل كانت له غنم وبقر وكان يدرك الذكي منها فيعزله ويعزل الميتة، ثم إن الميتة والذكي اختلطا فكيف يصنع؟ قال: يبيعه ممن يستحل الميتة ويأكل ثمنه " ومثلها