" سأل عن الجبن. فقال: سألتني عن طعام يعجبني، ثم أعطى الغلام درهما فقال:
يا غلام ابتع لنا جبنا، ثم دعى بالغداء فتغدينا معه، فأتى بالجبن فأكل وأكلنا، فلما فرغنا من الغداء قلت: ما تقول في الجبن؟ قال: أو لم ترني أكلته؟ قلت: بلى ولكني أحب أن أسمعه منك. فقال: سأخبرك عن الجبن وغيره، كل ما كان فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه فتدعه ".
وما رواه في كتاب المحاسن (1) عن أبي الجارود، قال: " سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الجبن، فقلت له: أخبرني من رأى أنه يجعل فيه الميتة. فقال:
أمن أجل مكان واحد يجعل فيه الميتة حرم في جميع الأرضين؟ إذا علمت أنه ميتة فلا تأكل، وإن لم تعلم فاشتر وبع وكل، والله إني لأعترض السوق فاشتري بها اللحم والسمن والجبن، والله ما أظن كلهم يسمون هذه البربر وهذه السودان " إلى غير ذلك من الأخبار التي لا يأتي عليها قلم الاحصاء في هذا المضمار.
وأنت خبير بأن الحكم الوارد في هذه الأخبار على وجه كلي، فكل شئ من الأشياء متى كان له أفراد بعضها معلوم الحل وبعضها معلوم الحرمة. ولم يميز الشارع أحدهما بعلامة. وتلك الأفراد مما يتعسر أو يتعذر ضبطها كما أشار إليه في رواية المحاسن بقوله: " أمن أجل مكان واحد يجعل فيه الميتة حرم في جميع الأرضين " فالجميع حلال حتى يعرف الحرام بعينه فيجتنبه. وهذا من التوسعات والرخص الواقعة في الشريعة المبنية على السهولة، لرفع الحرج والمشقة اللازمين بوجوب التكليف باجتناب ذلك، بخلاف الأفراد المحصورة، فإنه لا حرج في التكليف