تراضي الخصمين، فإن القائلين بانفعال القليل لا يقولون به، والقائلون بعدم الانفعال لا يحتاجون إليه، وإن أمكن الاستدلال عليه بما ورد في إزالة البول من الأمر بغسله مرتين إذا غسل في أجانة كما يأتي.
و (رابعها) أن اشتراط الكر مثار الوسواس، ولأجله شق الأمر على الناس، يعرفه من يجربه ويتأمله، ومما لا شك فيه أن ذلك لو كان شرطا لكان أولى المواضع بتعذر الطهارة مكة والمدينة المشرفتين، إذ لا يكثر فيهما المياه الجارية ولا الراكدة الكثيرة، ومن أول عصر النبي (صلى الله عليه وآله) إلى آخر عصر الصحابة لم تنقل واقعة في الطهارة ولا سؤال عن كيفية حفظ الماء من النجاسات، وكانت أواني مياههم يتعاطاها الصبيان والإماء والذين لا يتحرزون عن النجاسات بل الكفار، كما هو معلوم لمن تتبع.
و (خامسها) أن ما يدل على المشهور إنما يدل بالمفهوم، والمفهوم لا يعارض المنطوق (1) ولا الظاهر النص. مع أن أقصى ما يدل عليه هذا المفهوم تنجس ما دون الكر بملاقاة شطئ ما لا كل نجاسة، فيحمل على المستولية جمعا، فيكون المراد لم يستول عليه شئ حتى ينجس أي لم تظهر فيه النجاسة، فيكون تحديدا للقدر الذي لا يتغير بها في الأغلب.
و (سادسها) حمل تلك الأخبار الدالة على النهي عن الشرب والوضوء مما لاقته النجاسة على التنزه والاستحباب، حيث قال في كتاب الوافي: " باب ما يستحب التنزه عنه في رفع الحدث والشرب وما لا بأس به " ثم أورد فيه الأخبار التي قدمناها مما دل على النهي عن الوضوء من الأواني التي وقع فيها قطرة من بول أو دم والأواني المأمور باهراقها لوقوع نحو ذلك فيها.