في المقدمة الأولى أصل الاختلاف في أخبارنا، فكيف يتمحل الجمع بيننا وبين ما هو خلافها واقعا؟ نعم إنما ذلك على قواعد العامة، لعدم ورود حديث عندهم على جهة التقية. والظاهر أن من صرح بذلك من أصحابنا إنما أخذه من كلامهم غفلة عن تحقيق الحال وما يلزمه من الاشكال.
(لا يقال): إن الشيخ (رحمه الله) في كتابي الأخبار هو أصل هذه الطريقة ومحقق هذه الحقيقة، حيث إنه جمع بين الأخبار لقصد رفع التنافي بينها بوجوه عديدة، وإن كانت بعيدة بل جملة منها غير سديدة، رعاية لهذه القاعدة وطلبا لهذه الفائدة.
(لأنا نقول): نعم قد فعل الشيخ ذلك لكن ليس لرعاية هذه القاعدة - كما يتوهم - بل السبب الحامل له على ذلك هو ما أشار إليه (قد) في أول كتاب التهذيب، من أن بعض من الشيعة قد رجع عن مذهب الحق لما وجد الاختلاف في الأخبار، فقصد (قد) إزاحة هذه الشبهة عن ضعفة العقول ومن ليس له قدم راسخ في المعقول والمنقول، وارتكب الجمع ولو بالوجوه البعيدة وأكثر من الاحتمالات. كل ذلك لدفع تلك الشبهة. وبهذا يندفع عنه ما أورده المتأخرون في جمل من مواضع الجمع بين الأخبار بالعبد أو الفساد، فإن مثله (قد) - ممن لا يشق غباره ولا يدفع اشتهاره - لا يخفى عليه ما اهتدى إليه أولئك الأقوام وما أوردوه عليه في كل مقام، لكنهم من قبيل ما يقال: " أساء سمعا فأساء أجابه " وقد ذكر علماء الأصول ممن وجوه الترجيحات في هذا المقام بما لا يرجع أكثره إلى محصول، والمعتمد عندنا على ما ورد من أهل بيت الرسول، من الأخبار المشتملة على وجوه الترجيحات، إلا أنها بعد لا تخلو من شوب الاشكال، فلا بد من بسط جملة منها في هذا المجال، والكلام فيها بما يكشف نقاب الاجمال وينجلي به غياهب الاشكال.