قلة العقل على النقصان الحاصل من جميع هذه المراتب لكن المقصود الظاهر والنقصان البائر (1) المذموم بحسب العرف هو النقصان في العقل بالملكة أعني الاستعداد الذي يكون لدرك المعقولات وفى العقل العملي أعني الاستعداد للتميز بين الأمور الحسنة والقبيحة، وإن كان قد يكون النقصان ههنا تابعا للنقصان الأول وهذا التخصيص بحسب المفهوم من هذه الكلمة والا فقد تطلق قلة العقل أيضا على عادم الغريزة وعلى العقل الهيولاني، والسبب في ذلك هو اختلال أمر القوى النفسانية، اما لضعف الأرواح الحاملة لها وقلة كميتها أو لسوء تركبها وامتزاجها وخروجه عن الاعتدال الذي تتمكن النفس من تصريف القوى معه فيكون سبب عدم تمكن النفس من تصريف تلك القوى فيما يصلحها فيكون بسببه قصور استعدادها لقصور آلتها، وقد يكون السبب في قلة تدبير أمر المعاش واصلاح الدنيا ونقصان الاستعداد لذلك هو التفات النفس في غالب أحوالها إلى الوجهة الحقيقية واصلاح أمر المعاد وقطع العلائق الجسمانية فيسمى صاحبها في العرف إبله ومغفلا أي سليم الصدر قليل الاهتمام بشأن الدنيا غافل عن طلبها قليل العقل لكيفية اكتسابها وهم الذين قال صلى الله عليه وآله فيهم: أكثر أهل الجنة البله، لكن هذا المعنى غير مراد ههنا لان المرض ليس بمضن فضلا أن يكون أضنى من غيره إذا عرفت ذلك فنقول:
اما اطلاقه عليه السلام المرض على النقصان المذكور من استعداد النفس فاطلاق مجازى لان المرض من الكيفيات المختصة ببدن الحيوان ووجه المناسبة ان الكيفية المسماة بالمرض لما كانت مانعة من السعي في مصالح البدن وما يتعلق به وكان نقصان استعداد النفس في المراتب المذكورة مانعا لها من قبول تمام الفيض الإلهي الذي من شرطه تمام الاستعدادات لا جرم اطلق عليه السلام لفظ المرض عليه، وهي استعارة حسنه وانتقال لطيف لا يصدر مثله الا عن مثل ذلك الذهن الصافي المتوقد. واما اثبات المطلوب من هذه الكلمة وهو انه لا مرض أضنى من هذا المرض فيستدعى أولا بيان ان الضنى من