يكون عليها عند كونه في ذلك المقدار من الكمال أو النقصان، وتعداه تجاوزه إلى حالة أخرى لا يليق بمقداره ذلك، وإذا عرفت هذا كان المقصود من هذه الكلمة استنزال الرحمة بدعائه عليه السلام لعبد اطلع على مقداره في مدة حياته الدنيا مراعيا لموافقة طوره وهو قوله أو فعله وبالجملة الحال التي يليق بمقداره لمقداره بحيث لا يتعداه إلى حالة وطور يكون أليق بمقدار آخر غير مقداره، وذلك كان يكون مثلا من أهل الدناءة فيأخذ في الكبر الفخر بالاباء وغير ذلك، أو يكون شريف العقل عالما فيعمل اعمال الملوك ويقتنى مقتنياتهم، فان ذلك في الحقيقة جور وهو طرف الافراط من فضيلة العدالة وتجاوز منها إليه.
ويمكن ان تأول هذه الكلمة على وجه آخر فنقول: ان قدر الانسان مقداره ومبلغه الذي ينبغي ان يصل إليه، وطوره حده الذي ينبغي ان يقف عليه وتعداه تجاوزه، ثم المبلغ الذي ينبغي ان يطلب هو ما عرفت انه الوسط الحقيقي من كل حركة إرادية خيرية وهو الفضيلة النفسانية التي تحدث عنه (1) متسالمة (2) القوى البدنية بعضها لبعض، واستسلامها للقوة المميزة حتى لا يتغالب ولا - يتحرك نحو مطلوباتها على حد (3) طباعها وهي الفضيلة المسماة بالعدالة وقد عرفتها وعرفت انها تحدث عن اجتماع الفضائل الثلاث التي هي أمهات الفضائل، وهي الحكمة والعفة والشجاعة وقد عرفت حدودها وأنواعها، وإذا عرفت ذلك فنقول: مقصود هذه الكلمة إنما هو استنزال الرحمة الإلهية بدعائه عليه السلام لعبد عرف هذه الفضيلة المستلزمة لحصول هذه الفضائل ثم وقف عندها فإنها طوره الذي ينبغي ان يقف عنده ولم - يتجاوزها إلى طرف الافراط فيدخل في زمرة الجائرين (4) الملعونين بلسان الله: الا لعنة الله على الظالمين (5).
فان قلت لو أراد ذلك لقال تماما لذلك: ولم يقصر عن طوره، إذ كان تحقق