عرفت ذلك فنقول: لما كان فرح العارف ببهجة الحق أتم وأعظم من فرح من عداه بما عداها وكانت الغواشي التي تغشاه وتحركه اعتزازا بالحق أو حمية ربانية أعظم مما يعرض لغيره لاجرم كان اقتداره على حركة غير مقدورة لغيره ممكنا وسنبين وقوعه إن شاء الله تعالى، واما السبب في الأمور الباقية على الأصول السابقة هو انك علمت أن تعلق النفس بالبدن ليس بانطباعها فيه إنما هو على وجه انها مدبرة له مع تجردها (1) ثم إن الهيئات النفسانية قد تكون مبادئ لحدوث الحوادث وبيانه اما أولا فلأنك تشاهد انسانا يمشى على جذع ممدود على الأرض ويتصرف عليه كيف يشاء (2) ولو عرض ذلك الجذع بعينه على جدار عال أو موضع عال لوجدته عند المشي عليه راجفا متزلزلا يوعده (3) وهمه بالسقوط مرة بعد أخرى لتصوره وانفعال بدنه عن وهمه حتى ربما سقط. واما ثانيا فلان الأمزجة تتغير عن العوارض النفسانية كثيرا كالغضب وكالحزن والخوف والفرح وغير ذلك وهو ضروري. واما ثالثا فلان توهم المرض أو الصحة قد يوجب ذلك وهو أيضا ضروري، إذا عرفت هذا فنقول: ان الأمزجة قابلة لهذه الانفعالات عن هذه الأفعال النفسانية فلا مانع إذا أن يكون لبعض النفوس خاصية لأجلها يتمكن من التصرف في عنصر هذا العالم بحيث تكون نسبتها إلى كلية العناصر كنسبة أنفسنا إلى أبدانها (4) فيكون لها حينئذ تأثير في اعدادات المواد العنصرية لان يفاض عليها صور الأمور الغربية التي تخرج عن وسع مثلها فإذا انضمت إلى ذلك الرياضات فانكسرت سورة الشهوة والغضب وبقيا (5) أسيرين في يد القوة العاقلة فلاشك انها حينئذ تكون أقوى على تلك الأفعال
(٥١)