فقد فاز الفوز التام إذ (1) صار عالما صغيرا فتصور حقائق الموجودات وتمثلت في ذاته ثم حصل على فضيلة العدالة بجميع اجزائها وأنواع اجزائها فحصل على الوسط الحقيقي المعبر عنه في الرموز الإلهية بالصراط المستقيم فلم يفته من النعيم شئ إذا استعد بهذا الكمال لجوار رب العالمين إذا عرفت ذلك فاعلم أنه عليه السلام عبر بالعقل عن الكمال الأول وبالأدب عن الكمال الثاني، وينبغي ان يعلم (2) انه لا فخر ولا مباهاة الا بهذه الفضائل فقط، واما الفخر الوهمي كافتخار من يفتخر بما جمع من مال أو بما سبق له من الأسلاف لأنهم كانوا على شئ من أنواع الفضائل أو عليها كلها فليس بفخر، اما بالمال فلان الشرف الحقيقي لا يعتبر الا بالكمال النفساني الباقي ابدا فالفخر والمباهاة ليس الا به.
والمال ليس كذلك اما أولا فلانه ليس بفضيلة نفسانية فلا يكسب سعادة أخروية بل ربما أكسب ضدها وإذا كان خارجا عن نفس الانسان كان المباهى به مباهيا بأمر خارج عنه، ومن باهى بما هو خارج عنه فقد باهى بما لا يملكه. واما ثانيا فلانه غير باق وكيف يبقى ما هو معرض للآفات والزوال في كل لحظة وليس صاحبه منه على ثقة في وقت من الأوقات، وإذا كان كذلك فترى انه مما لا (3) يستحق ان يباهى (4) به ويفخر واصدق الأمثال فيه قوله تعالى: واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب (إلى قوله) فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها وهي خاوية على عروشها ويقول يا ليتني لم أشرك بربي أحدا (5) وقوله: واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شئ مقتدرا (6) وقد اشتمل القرآن والسنة النبوية لذلك (7) على أمثلة كثيرة.