لا يعرف القدر الذي يجب الوقوف عنده من المزاح مع ما تواتر عنه مما يوضح انه كان أكمل الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه وآله في قوتيه النظرية والعلمية وانه ينبوع العلوم اليقينية والأخلاق الرضية الذي يستقى (1) من تياره فحول الاسلام من أكابر العلماء الراسخين واشراف الزهاد العارفين كما هو مأثور عنه مشهور وفى أذهان الخلق مقرر مسطور، مع ما صدر عنه في ذم المزاح المفرط في هذه الكلمة وغيرها وما نقل عنه عليه السلام من الرد على العائب له بذلك وتكذيبه إياه وذلك قوله عليه السلام في ذكر عمرو بن العاص (2):
يزعم لأهل الشام ان في دعابة وانى امرؤ تلعابة، أعافس وأمارس، لقد قال باطلا ونطق اثما، اما وشر القول الكذب، انه ليقول فيكذب، ويعد فيخلف، ويسال فيلحف، ويسأل فيبخل، ويخون العهد، ويقطع الال، فإذا كان عند الحرب فأي زاجر وامر هو ما لم تأخذ السيوف مآخذها، فإذا كان ذلك كان أكبر مكيدته ان يمنح القرم سبته، اما والله انى ليمنعني من اللعب ذكر الموت، وانه ليمنعه من قول الحق نسيان الآخرة، وانه لم يبايع معاوية حتى شرط له ان يؤتيه أتية ويرضخ له على ترك الدين رضيخة.
ومن انصف من نفسه وقهرها عن متابعة الهوى وسلوك سبيل العناد علم أن هذه الألفاظ لم تصدر عنه عليه السلام وهو مرتكب لما ينكره من ذلك. ويكفيك في معرفة فضل المعيب نقصان العائب المذكور بما اشتهر عنه مما ذكره عليه السلام فيه من الأخلاق الردية والافعال القبيحة فان من اجتمع فيه أن يكون كذوبا مخلافا للوعد بخيلا ملحفا (3) في السؤال يخون العهد ويقطع الرحم ثم ينضاف إلى ذلك معجبا بنفسه لظنه الكاذب بنفسه في الحروب وغيرها انها مستحقة لمرتبة من الكمال مع أنها ليست كذلك فيكون في ابتداء الحرب في صورة أمر وزاجر ومشير مع أنه ليس لشئ من ذلك بأهل حتى إذا اخذت السيوف مآخذها كان حينئذ مستشعرا لباس الخوف والجبن فرارا غير كرار وكان وجه خلاصه من الهلاك باظهار رذيلة الخبث والخداع عن أردء وجه وأقبحه وهو كشف سوءته في رد