عند انبعاثها في المزاج من أكثر الخلق وقلة مراجعة العقل بالتحديق إلى ما يجره ذلك الفعل عن كثرته ولقلة الاطلاع من المزاج (1) على تفاوت الأمزجة في قبول ذلك الفعل وعدم قبوله وسرعة انفعال طباعهم لسرعة تصور متخيلاتهم للموذى وبطؤه لكنه ممكن ومع امكانه هو موجود وذلك ممن استكمل الفضائل العلمية والعملية وكانت قوته الشهوية في أسر قوته العقلية وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يمزح ولا يقول الا حقا وكان أمير المؤمنين عليه السلام كذلك، وذمه عليه السلام لكثرة المزاح في هذه الكلمة دليل على أنه كان يقف منه على القدر المحمود، والسبب في كون القدر المعتدل منه محمودا هو انه من الأسباب الباسطة للنفس الموجبة للانس الذي هو سبب الألفة التي هي سبب المحبة التي بينا وجوبها فيما سبق وانها مطلوبة من العناية الإلهية وحينئذ يكون ذلك المقدار متعلقا بالفضائل الخلقية وسببا من أسباب الاستكمال النفساني، واما المذموم منه فهو الذي يبتدئ به صاحبه ولا يدرى أين (2) يقف منه فيخرج به عن أحد الاعتدال (3) إلى ما لا ينبغي ولا يزال يزداد به في حق صاحبه حتى يثير قوته الغضبية ويقع أحد ما ذكرنا، وكل ذلك موجب للوحشة الموجبة للمقاطعة والتباين المضاد للألفة والمحبة فيحصل ضد ما ذكرنا من أنه مطلوب العناية الإلهية فواجب على من لا يعرف أين (4) يقف منه إذا ان يحذره ويتذكر قول القائل: رب حقد قاده اللعب، وقول الاخر: لا تمازح الشريف فيحقد عليك ولا الدنئ فيجترئ عليك، وقول الشاعر:
إياك إياك المزاح فإنه * إلى الشر دعاء وللشر جالب والعجب الذي لا ينقضى ممن عاب أمير المؤمنين بالدعابة فقال: لولا أن فيه دعابة؟! كيف يقبل منه ذلك فان هذا الانكار إن كان لأنه ارتكب القدر المعتدل منه وقد عرفت انه أمر محمود كان ذلك انكارا مستلزما للنهي عن المعروف وهو غير جائز، وإن كان ذلك لأنه ارتكب القدر الخارج منه إلى مالا ينبغي فترى انه عليه السلام كان