عما هي عادية (1) فيه من قولهم: روح إبله إذا ردها وقت الرواح من السوم إلى المنزل، والعمى ذهاب البصر من العينين معا وهذه الكلمة من التأديبات الصلاحية للسالكين في العلوم والأعمال والمقصود بها ان القوى البدنية التي هي الات النفس في التوصل (4) - إلى مراداتها المتعلقة بالبدن لاشك انا متناهية القوة فلا تقوى على الأعمال الغير المتناهية فإذا وجهتها النفس في تحصيل المطالب فتحركت كثيرا فإنه حينئذ يحصل لها من الكلال والملال ما يوقف النفس عن العمل لضعف آلاتها (3) وملالها وربما بقي فيها ميل ونزاع (4) وان ضعفت آلتها وملت قوتها الفكرية الا انه إذا كان كذلك فينبغي ان الا تبالغ النفس في المعاطفة (5) على ذلك الفعل بعينه فإنها ان فعلت ذلك خارت (6) قوتها الفكرية التي هي عينها التي تبصر بها وجوه المطالب ووهت (7) فزال نورها وذلك معنى العمى ولم يمكنها فتح ذلك البصر واستعادة ذلك النور الاعلى عسر لنفار الطبع عن المعاودة من تصور الوهم للموذي، وعرفت من هذا ان اطلاق معنى العمى على ما ذكرناه استعارة حسنة للمشابهة البينة من بحثنا فينبغي للساعي في تحصيل المطالب الفكرية ان لا يقهر نفسه و (لا) يلزمها السعي فيما عجزت عن تحصيله بل يروحها كما يروح صاحب الإبل إبله لمراعاة مصالحها وحفظها من (8) العمى بالاكراه كما يراعى ذو السائمة إبله ويحفظها من العطب فان النشاط فيما يصرفها إليه ويسميها فيه بعد ذلك أتم والميل أصدق بحسب تجدد قوة القوى ونشاطها.
فان قلت: هذا التأويل يتوجه عليه شكان: الأول ان الترويح يستدعى مروحا ومروحا والنفس لا تكون مروحة لنفسها فلما كانت هي المروح وجب أن يكون المروح غيرها؟! الثاني ان الاكراه يستدعى مكرها ومكروها، والنفس لا يتصور أن تكون مكرهة لنفسها؟!