ترتيب البرهان على ذلك وصار الترتيب " كثرة الوفاق نفاق، والنفاق ذلة " فأنتج ان كثرة الوفاق ذلة، اما المقدمة الأولى فبينة من بحثنا، واما الثانية فقد تقدم تقريرها وتبين من بيانهما ان كثرة الوفاق من لوازم النفاق الذي هو من لوازم المهانة ولازم - اللازم لازم ولن يتخلص عن ذلك الا بمعاجلة المعالجة (1) لغسل الباطن من رذيلة المهانة لان معالجة هذه الأمراض تستدعى حسم أسبابها أولا بتعويد النفس وتطويعها بأضداد تلك الأسباب، واما الحكم الثاني فهو ان كثرة الخلاف سبب للشقاق وملزوم له واطلاق الشقاق على لازمية كثرة الخلاف مجاز، واما برهان هذا الحكم فلان الخلاف بطبيعته مثير للقوة الغضبية المحركة إلى طلب الانتقام من المخالفين الموجب للعداوة والبغضاء وتنافر الطباع وإذا كان أصل طبيعته فما ظنك بكثرته والخروج فيه إلى مالا ينبغي وايراده فيما لا ينبغي وقد كنت عرفت ان طلب الانتقام مثير للعداوات (2) ومن لوازم العداوة التباين ولافتراق فتعلم حينئذ ان كثرة الخلاف موجبة للشقاق لما ان علة العلة علة، واعلم أن هذين الحكمين مستلزمان للتنبيه على وجوب لزوم الوسط بين طرفي الافراط والتفريط الذي هو الشجاعة اما طرف الافراط فعلته (3) كثرة الخلاف فان ذلك بالحقيقة صادر عن تهور واقدام على مالا ينبغي الاقدام عليه، واما طرف التفريط فهو علة كثرة الوفاق التي هي المهانة فان الانسان بارتكاب الطرف الأول يحصل على الشقاق والتباين الموجب للتباغض المنافى للمحبة والاتحاد في الله تعالى التي هي سبب لاستنزال (4) رحمته وبركاته، وبارتكاب الطرف الثاني يحصل على الرذيلة المذكور وملزومها، وكلاهما منهى عنهما، فينبغي للعاقل ان يثبت على الوسط ويثبت (5) بعرى عقله دون ان يجذبه هواه إلى سلوك أحد الطرفين فيكون من الهالكين، والله ولى العصمة.
(١٢٨)