الحكم الثاني - انه يعيش في الدنيا عيش الفقراء، وهذا الحكم أيضا ظاهر، فان مقتضى رذيلة البخل التقتير وجمع المال وضبطه وذلك مستلزم لقلة (1) الانفاق المستلزمة (2) لسوء المطاعم ورداءة العيش وقلته التي هي بالحقيقة صفات (3) عيش الفقراء فظاهر (4) ان البخيل يعيش في الدنيا عيش الفقراء.
الحكم الثالث - انه في الآخرة يحاسب حساب الأغنياء، والحساب على (5) ما ورد به ظاهر الشريعة ظاهر، والخلاف بين المتكلمين في كيفية ايقاعه مشهور، وفى نظر قوم آخرين هو إحصاء الرذائل والفضائل اللاحقة للنفس من تعلقها بالأبدان وضبطها في اللوح المحفوظ بقلم العلم الإلهي، ولما كانت الأغنياء هم الجامعين (6) للأموال والمدخرين (7) لما لا ينبغي ان يدخر من الأمور الجسمانية وكان حسابهم أشد وأخطر لكثرة الملكات الردية اللاحقة لهم بسبب ميلهم وعشقهم لمتاع الحياة الدنيا ورغبتها وكان البخيل أشدهم للجمع محبة ولمتاع - الدنيا عشقا لاجرم كان محاسبا حساب الأغنياء.
وإذا عرفت ذلك لاح لك ان من مقاصد هذه الكلمة التنبيه على الحذر من ارتكاب رذيلة البخل ووجه ذلك التنبيه ان مطلوب العاقل وغاية سعيه في الدنيا إنما هو تحصيل السعادتين والبخل مستلزم لعدم حصول إحداهما (9) اما في الأولى فلان البخيل يعيش فيها عيش الفقراء فهو فاقد لذتها وسعادتها، واما في الأخرى فلانه يحاسب فيها حساب الأغنياء، ولما كان من لوازم حساب الأغنياء عدم خلوهم عن العذاب بسبب ما تمكن (10) من جواهر نفوسهم من محبة متاع الدنيا وزينتها وبسبب تفريطهم وافراطهم في وضع الأموال مواضعها لا جرم كان البخيل أكدهم استحقاقا لذلك وأشدهم استعدادا لحصوله وبالله التوفيق.