الثاني - ان الكمال من حيث هو كمال محبوب للنفس ومطلوب لها ثم إن الانسان يكاد يخلو عن الحكم الوهمي في حق نفسه باستحقاق كمال مالا يكون لغيره أوان كان لكنه يكون لاحاد الناس كانسان اطلع بصفاء سريرته وارشاد الله تعالى إياه على عيوب نفسه فكسر غلو العجب عنها، وإذا كان كذلك فالمعجب إذا أعجب بنفسه وتاه على غيره لاعتقاد المزية عليه لم يخل ذلك الغير من أن يكون له مثل ذلك الاعتقاد أو يكون مطلعا على قبحه لعلمه بأنه عيب من العيوب الفاحشة وعلى التقديرين فان ذلك العجب موجب للنفار (1) اما في حق الأول فلعدم تسليمه لما يعتقده هذا المكبر (2) لنفسه عليه من التفرد بالمزية والكمال لان الكمال المعتقد هناك قد يكون عند المتكبر عليه أشد وأرسخ في اعتقاده، وعند عدم التسليم والانكار للدعوى ممن أصر (3) عليه لابد وان يحصل الوحشة بينهما، واما في حق الثاني فلاستنقاصه عقل المتكبر والمعجب واطراحه عن درجة الاعتبار وعدم تأهله في نظره واعداده للمعاشرة والألفة والصداقة فهذه أسباب النفرة الطبيعية للخلق من المعجب بقي علينا ان نبين ان الوحشة الصادرة عن العجب أشد درجات الوحشة وأبعدها عن الانس وبيان ذلك أن أقوى ما يتصور من أسباب الوحشة قد يكون علاج ما يوجبه منها سهلا ومعاناة حسمها هينا، فان من أعظمها وأقواها قتل الأحباء والأولاد وقطع بعض الأعضاء أو الضرب المؤلم الممرض فقلما يكون مثل هذه الأسباب في القوة وايجابها للوحشة والقطيعة ومع ذلك فان علاج مثل هذه الوحشة يكون سهلا اما ببذل الأموال الكثيرة أو بالرفق واللين أو ببذل القصاص ويكون ذلك في أقصر مدة وأيسرها، واما العجب فان علاجه وحسمه قد لا يمكن ان أمكن فإنه يكون غاية من (4) العسر وبيانه ان علاج ذلك متوقف في الانسان على معرفة نفسه أولا (5) وهي درجة عظيمة قل الواقفون عليها وإذا أعرفها فينبغي ان يعرفها بكثرة العيوب والنقصانات المعتورة لها وهذه درجة في غاية الصعوبة أيضا فان
(١٣١)