من تلك الآراء والشقاق الافتراق من شق العصا، إذا قسمتها بنصفين، وههنا حكمان، الأول ان كثرة الوفاق وليس المراد ان كثرة الموافقة هو نفس النفاق بل المراد انه لازم له فأطلق اسم الملزوم على لازمية (1) كثرة الوفاق للنفاق مجازا إذ التقدير كثرة الوفاق لازم من لوازم النفاق، واظهر من ذلك أنه حذف المضاف للعلم به وأقام المضاف إليه مقامه، واما عله هذا الحكم فلان الآراء مختلفة اختلافا شديدا تكاد لا تتناهى (2) بحسب اختلاف التصورات وجودة الحدس وضعفه واستقامة التخيل (3) واعوجاجه الصادر عن التفاوت في الأمزجة حتى انك تجد لكثير (4) من الناس آراء يستبدون (5) بها لا تكاد تتصور (6) موافقة أحد لهم فيها ثم إن كان لابد من الوفاق الصحيح الا ان ذلك لا يكون إلا في الاحكام الضرورية أو البرهانية وهي مع أنها أقلية الوجود بالنسبة إلى الاحكام التي تخفى أسبابها فتكاد تسلم من اختلاف الآراء فيها، أو (7) - لا يقع لها انكار أو تصور على وجه آخر، وإذا عرفت ذلك فاعلم أن الذي يكثر وفاقه في كل ما يقال أو يستشار فيه يستحيل أو يكون في غاية البعد ان يقال: ان تلك الموافقات منه مطابقة اعتقاده الصادر عن النظر في الامارات الصادقة وعن تخالف الأمور وان ذلك هو الذي أدى إليه اجتهاده بل الذي ينبغي ان يعتقد ان ذلك إنما هو نفاق لخروجه (8) به عن الصدق في عدم مطابقة ظاهره لباطنه وقد علمت أن النفاق ذلة (9) واستخذاء (10) نفس واستجابتها وانفعالها عن مقابلة - المستشير والقائل وخاصة أن يكون معظما في ملكه أو علمه أو حال يوجب له الاحتشام وهذا الحكم مستلزم للتنبيه على وجوب الحذر عن كثرة الوفاق فإنها من آثار رذيلة المهانة والانظلام التي هي طرف التفريط من الشجاعة إذ تبين لك من هذا البحث
(١٢٧)