لو سلكها ومع ذلك فتجده غير خائف بالنسبة إلى حكم شهوته وطاعة هواه وغافلا عن كل شئ سواه، وربما وقع في الأسر وأشفى على الهلاك مرة ومرة وقطعت يده أو رجله فلا يبقى الا ريثما يبرأ قطعه ثم يعود إلى ما كان عليه حتى لو قطعت الات بدنه التي يتمكن بها من السرقة لكان في خياله بحسب حكم شهوته انه لو كانت له آله يتوصل بها إلى صنعته تلك لعاودها، كل ذلك طاعة لشهوته ومهانة وخضوعا في يدها بحيث يجزم الانسان انه لو كلف عبد الرق الذي أحسن إليه المدة الطويلة بأقل تلك الأعمال وأيسرها أوفى وقت لم تجر عادته بتكليفه فيه ولم يكن العبد مشتهيا لها لنفر طبعه منها ومانع (1) في عدم قبول امره فيها، وإذا عرفت ذلك ظهر لك ان ذل (2) عبد الشهوة أقوى من ذل الرق بأضعاف وان من ساوى بينهما فقد فقد الانصاف وكابر عقله، وذلك مفهوم مقصده العزيز وسر لفظه الجزيل الوجيز، وفيه تنبيه على وجوب قهر الشهوة وكسرها إذا كانت داعية (3) إلى اتباع الشيطان والعدول عن (4) طاعة الرحمن. وكان كثير ممن يدعى الشرف والفضل ويزعم أنه كامل العقل ويسخط ويأنف ان ينسب إليه نقصان ورذيلة ويأبى ان يسلب عنه كمال وفضيلة، فضلا عن أن يقال: هو رق لمولى منقادا في أسر الشيطان متهالكا في طاعته وهو عن رشده غافل مذعنا ومشتغلا (5) بقبول (6) أوامر شهوته وهو لما يراد به جاهل، حتى يتنبه بهذه الإشارة اللطيفة على أنه إذا كان أنفته وعزة نفسه ونفار طبعه من أن يقال:
انه رق لفلان العبد الصالح إنما كان لما في ذلك من الخضوع والامتهان ولما ينسب إليه من النقصان فلم ارتكب من طاعة شهوته والانقياد لها ما يوجب له الامتهان التام الذي هو أشد والنقصان اللازم الذي هو آكد، بل ما يعده (7) للعذاب الأليم بسبب زيغه عن الصراط المستقيم وهل ذلك الا من جهله بالعواقب وقلة عقله لما يلزمه من المصائب