إلى المدينة، وكان بذلك نائيا عنها، وقد جعل الله تعالى لمن غابت عنه، أو غاب عنها التوجه إلى أركانها بحسب اختلافهم في الجهات من الأماكن والأصقاع، فجعل الركن الغربي لأهل المغرب، والركن العراقي لأهل العراق وأهل المشرق، والركن اليماني (1) لأهل اليمن، والركن الشامي لأهل الشام، وتوجه الجميع إنما هو من هذه البلاد إلى الحرم، وهو عن يمين المتوجه من العراق إلى الكعبة أربعة أميال، وعن يساره ثمانية أميال، فلذلك أمر أهل العراق، والجزيرة، وفارس، والجبال، وخراسان أن يتياسروا في بلادهم عن السمت الذي يتوجهون (2) نحوه في الصلاة قليلا، ليستظهروا بذلك في التوجه إلى قبلتهم، وهي الركن العراقي، وليس ذلك لغيرهم ممن يصلى إلى سواه.
وقد بينا في باب المواقيت (3) علامات قبلة أهل المشرق بما ذكرناه: من كون الفجر عن يسار المتوجه إليها، وعين الشمس على حاجبه الأيمن في أول زوالها (4)، وكون الشفق عن يمينه عند غروبها، ومن أراد معرفتها في باقي الليل فليجعل الجدي على منكبه الأيمن فإنه، يكون متوجها إليها.
وإذا طبقت السماء بالغيم فلم يجد الإنسان دليلا عليها بالشمس والنجوم فليصل إلى أربع جهات (5) عن يمينه، وشماله، وتلقاء وجهه، وورائه في كل جهة صلاة، وقد أدى ما وجب عليه في صلاته، وكذلك حكم من كان محبوسا في بيت ونحوه، ولم يجد دليلا على القبلة، بأحد ما ذكرناه صلى إلى أربع جهات، وإن لم يقدر على ذلك لسبب (6) من الأسباب المانعة له من الصلاة أربع مرات فليصل إلى أي جهة شاء، وذلك مجز له (7).