معنى يتغنى بالقرآن: أي يذكر القرآن، من قولهم: تغنى فلان فلان إذا ذكره في شعره، إما هجاء وإما مدحا. فأما الحديث الآخر وهو قوله عليه الصلاة والسلام: " ليس منا من لم يتغن بالقرآن ".
فليس المراد به هذا المعنى، وإنما أراد عليه الصلاة والسلام ليس منا من لم يستغن بالقرآن عما سواه، وتغنى هاهنا بمعنى استغنى، وهو تفعل من الاستغناء لا من الغناء. قال العجاج:
أرى الغواني قد غنين عنى * وقلن لي عليك بالتغني أي استغنين عنى وقلن لي: استغن عنا كما استغنينا عنك. وهذا عند موت الشباب، وانقضاء الآراب (1). ويؤكد ذلك الحديث الآخر وهو قوله عليه الصلاة والسلام: " من قرأ القرآن فرأى أن أحدا أعطى أفضل مما أعطى فقد عظم صغيرا وصغر عظيما ". ولو كان المراد بالتغني في هذا الخبر ترجيع الصوت بالقرآن لكان من لم يقصد هذه الطريقة في تلاوته، ويعتمدها في صلاته، داخلا تحت الذم، ومقارفا للذنب، لأنه عليه الصلاة والسلام قال: ليس منا من لم يتغن بالقرآن. فبان أن المراد به الاستغناء لا الغناء (2).