أو ينتفع به، فالمراد إذا أن أحدا جبل يحبنا أهله، ونحب أهله، وأهله هم أهل المدينة من الأنصار، أو سهم وخزرجهم، وغير خاف جهم النبي عليه الصلاة والسلام وحبه لهم، وتعظيمهم له وإعظامه لقدرهم. ألا ترى إلى قوله عليه الصلاة والسلام في كلام طويل:
ولو سلك الأنصار شعبا، وسلك الناس شعبا، لسلكت شعب الأنصار، ولولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار، إلى غير ذلك من الكلام الذي يطول بذكره الكتاب، وينقض قاعدتنا في الاختصار.
ومثل هذا الحديث ما روى عنه عليه الصلاة والسلام في حديث آخر قال: " نهران مؤمنان، ونهران كافران. أما المؤمنان: فالنيل والفرات. وأما الكافران: فدجلة، ونهر بلخ ". والأولى أن يكون تأويل هذا الخبر إن كان صحيحا كتأويل الخبر المتقدم، فكأنه عليه الصلاة والسلام قال: أهل هذين النهرين مؤمنون، وأهل هذين النهرين كافرون، وتكون هاتان الصفتان جاريتين على هذه الأنهار في وقت مخصوص، أو على الأغلب من الأحوال في زمان معلوم، لان من أهل هذين النهرين المؤمن والكافر، كما أن من أهل ذينك النهرين البر والفاجر. وقد قيل في ذلك قول آخر لست أرتضيه، وهو أن يكون إنما جعل النيل والفرات مؤمنين على التشبيه والتمثيل لكثرة انتفاع الناس بسقياهما كالانتفاع بالمؤمنين، وجعل دجلة ونهر بلخ كافرين، لقلة الانتفاع بهما كقلة الانتفاع بالكافرين.