في جملته حيث قدم إلى بغداد، وملك الحضرة. ولما توفى عضد الدولة ببغداد كان عمر الرضى أبى الحسن أربع عشرة سنة، وأم الرضى فاطمة بنت الحسين بن الحسن الناصر الأصم صاحب الديلم، وهو أبو محمد الحسن بن علي بن الحسن بن علي بن عمر بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب، عليهم السلام، شيخ الطالبين وعالمهم، وزاهدهم وأديبهم وشاعرهم، ملك بلاد الديلم والجبل، ويلقب الناصر للحق، وحفظ الرضى القرآن بعد أن جاوز ثلاثين سنة.
وحفظه في مدة وجيزة، وعرف من الفقه والفرائض طرفا قويا، وكان عالما شاعرا أديبا مفلقا، فصيح النظم ضخم الألفاظ، قادرا على القريض، متصرفا في فنونه، إن قصد الرقة في النسيب أتى بالعجب العجاب، وإن أراد الفخامة وجزالة الألفاظ في المدح وغيره أتى بما لا يشق له فيه غبار، وإن قصد في المراثى جاء سابقا والشعراء تقطع أنفاسها على أثره، وكان مع هذا مترسلا، ذا كتابة قوية، وكان عفيفا شريف النفس عالي الهمة، ملتزما بالدين وقوانينه، ولم يقبل من أحد صلة ولا جائزة، حتى إنه رد صلات أبيه. وناهيك بذلك شرف نفس وشدة ظلف، فأما بنو بويه فإنهم اجتهدوا على قبوله صلاتهم فلم يقبل، وكان يرضى بالاكرام، وصيانة الجانب، وإعزاز الاتباع والأصحاب، وكان الطائع أكثر ميلا إليه من القادر، وكان هو أشد حبا للقادر، وأكثر ولاء للطائع منه للقادر.