الفقهية على مصاديقها الجزئية ليس من شأن الفقيه، بل عليه بيان الأحكام الفرعية الكلية الدائرة على موضوعاتها العامة واما تشخيص مصاديقها وتطبيقها عليها عند الحاجة إليها فهو موكول إلى المقلد، ليس للفقيه فيه نصيب أصلا - اللهم الا في عمل نفسه.
وعلى هذا لو كان تشخيص المقلد في بعض الموضوعات مخالفا لمجتهده فليس قوله حجة في حقه، بل كل يعمل على شاكلته.
وفيه اشكال واضح، فإنه مخالف لما استقر عليه ديدنهم في طيات كتب الفقه، فنراهم يكثرون البحث عن تشخيص المصاديق الخارجية وصدق العناوين العرفية الواردة في أدلة الأحكام الشرعية على مصاديق مشكوكة وعدم صدقها ثم الافتاء بما يستقر عليه انظارهم.
فنراهم مثلا يبحثون عن (التغيير) الموجب لنجاسة الماء وانه صادق على التقديري حتى يحكم بنجاسته إذا تغير تقديرا أم لا، وعن الماء الذي نقص عن الكر بمقدار يسير ان اطلاق (الكر) عليه هل هو من باب المجاز والمسامحة أم حقيقة بنظر العرف حتى يجرى عليه أحكام الكر؟ وكذا ما أشبهه من التحديدات الواردة في الشريعة، وعن الأحجار المأخوذة من المعادن، هل يصدق عليها عنوان (الأرض) الوارد في أبواب ما يصح السجود عليه حتى يصح السجود عليها أم لا؟ وانه هل يجوز السجود على قشور الفواكه مطلقا أو بعد انفصالها، نظرا إلى صدق عنوان (ما اكل) الوارد في اخبار الباب عليها أم لا؟ إلى غير ذلك مما لا يحصى كثرة، فإن جميع ذلك في الحقيقة راجعة إلى تشخيص الموضوعات العرفية الخارجية، فلولا ان هذه التطبيقات موكولة إلى نظر الفقيه لكان من الواجب الافتاء بالكليات فقط بان يقال: الماء إذا تغير بالنجاسة نجس، والكر طاهر مطهر، ويجب السجود على الأرض وما خرج منها الا ما اكل ولبس، و يخلى بين المقلدين وبين مصاديق هذه الكبريات الكلية.
والسر في جريان سيرتهم في الفقه على ذلك أن ملاك التقليد - وهو لزوم رجوع الجاهل إلى العالم - لا يختص بالأحكام الكلية، بل قد يحتاج تطبيق كثير من الموضوعات العرفية على مصاديقها إلى دقة في النظر وتعمق في الفكر، خارجة