نفسه، أو بإرجاعه من قبل أحدهما، ففي مثل هذه الصورة لا تكون سفهية، ولا أكل للمال الباطل، لاقدام العقلاء على أمثال هذه الخسارات لأجل احتمال تحصيل ما هو أنفع، فالزارع يصرف مصارف كثيرة لأجل احتمال تحصيل ما هو أزيد نفعا في نظره، وليس قاطعا بحصول مثل هذا النفع، وكذلك التاجر في تجارته وسائر أرباب الحرف والصناعات في أشغالهم يبذلون الأموال باحتمال تحصيل ما هو أهم بنظرهم.
نعم يبقى مسألة الغرر وأن عدمه من القيود الشرعية المعتبرة في صحة المعاملة، لما هو المنقول في المستدرك عن دعائم الاسلام عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه سئل عن بيع السمك في الآجام؟ فقال: " لا يجوز لأنه مجهول يقل ويكثر وهو غرر " 1. فالتعليل عام يشمل الإجارة والبيع وغيرهما.
أو من جهة شمول قوله صلى الله عليه وآله: " نهى النبي عن بيع الغرر " 2 للإجارة أيضا من باب وحدة المناط، بعد الفراغ عن أن معنى الغرر هو الجهل بالعوضين أو أحدهما، والمفروض هاهنا أن أحد العوضين - الذي هو المنفعة - حصوله غير معلوم، فيكون مثل هذه المعاملة غرريا بغير شك فيكون منهيا، فيكون باطلا.
ولا شك في أن إجارة العبد الآبق أو الدابة الشاردة التي غير معلوم مكانها من هذا القبيل، إذ لا يعلم المستأجر بإمكان حصول الانتفاع بهما واستيفاء ما يملكه بالإجارة منهما أم لا؟، فتكون الإجارة ونفس هذه المبادلة غرريا فلا تصح.
نعم لو كان له طريق إلى تمكنه من ذلك ومطمئن بأن العبد يرجع إلى مولاه والدابة توجد بحيث لا يعد غررا في العرف، فلا مانع ويجوز إجارتهما.