كل المثل العليا للانسان الخليفة على الأرض، من ادراك، وعلم، وقدرة وقوة، وعدل، وغنى، وهذا يعني ان الطريق إليه لاحد له فالسير نحوه يفرض التحرك باستمرار وتدرج النسبي نحو المطلق بدون توقف، يا أيها الانسان انك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه " الانشقاق (6)، ويعطي لهذا التحرك مثله العليا المنتزعة من الادراك والعلم والقدرة والعدل، وغيرها من صفات ذلك المطلق، الذي تكدح المسيرة نحوه. فالسير نحو مطلق، كله علم، وكله قدرة، وكله عدل، وكله غنى يعني ان تكون المسيرة الانسانية كفاحا متواصلا باستمرار، ضد كل جهل، وعجز وظلم، وفقر.
وما دامت هذه هي أهداف المسيرة المرتبطة بهذا المطلق، فهي اذن ليست تكريسا للإله، وانما هي جهاد مستمر من اجل الانسان وكرامة الانسان وتحقيق تلك المثل العليا له، (ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه ان الله لغني عن العالمين) " سورة العنكبوت (6) "، (فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها) " الزمر 41 " وعلى العكس من ذلك المطلقات الوهمية والآلهة المزيفة، فإنها لا يمكن ان تستوعب المسيرة بكل تطلعاتها، لان هذه المطلقات المصطنعة وليدة ذهن الانسان العاجز، أو حاجة الانسان الفقير، أو ظلم الانسان الظالم. فهي مرتبطة عضويا بالجهل والعجز والظلم ولا يمكن ان تبارك كفاح الانسان المستمر ضدها.
ثانيا: ان الارتباط بالله تعالى بوصفه المطلق الذي يستوعب تطلعات المسيرة الانسانية كلها يعني في الوقت نفسه رفض كل تلك المطلقات الوهمية، التي كانت تشكل ظاهرة الغلو في الانتماء، وخوض حرب مستمرة ونضال دائم ضد كل ألوان الوثنية والتأليه المصطنع. وبهذا يتحرر الانسان من سراب تلك المطلقات الكاذبة، التي تقف حاجزا دون سيره نحو الله وتزور هدفه وتطوق مسيرته.