وغير البئر على ضربين قليل وكثير، فالقليل ينجس بما لاقاه من النجاسة وأما الكثير فلا ينجس إلا إذا تغير أحد أوصافه من لون أو طعم أو رائحة، خلافا لأبي حنيفة فإنه ينجس عنده وإن لم يتغير أحد أوصافه قليلا كان الماء أو كثيرا.
والغدير العظيم الذي لا يتحرك أحد طرفيه بتحريك الطرف الآخر إذا وقعت فيه نجاسة جاز الوضوء عنده من الجانب الآخر. (1) لنا قوله تعالى: {وأنزلنا من السماء ماء طهورا} (2) واختلاط النجاسة به إذا لم يتغير لم يخرجه عن إطلاق اسم الماء عليه كما قلنا، وإذا كان كذلك وجب العمل بالظاهر، وقوله (عليه السلام):
" إذا بلغ الماء كرا لم يحمل خبثا " (3). له قوله (عليه السلام): " لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ولا يغتسلن فيه من الجنابة "، فالأمر بحفظ الماء دل على تأثر الماء به. قلنا: هذا الأمر على سبيل الندب لا على الوجوب إذا كان الماء كثيرا، ويحمل على الوجوب إذا كان قليلا.
[وحد الكثير ما بلغ كرا أو زاد عليه " وحد الكر] وزنا ألف [8 / ب] ومئتا رطل " (4).
خلافا للشافعي فإن الكثير عنده ما بلغ قلتين (5)، والقلتان خمسمئة رطل برطل العراق.
لنا أنه لا خلاف في طهارة ما قلناه من الكثير فله أن يدل على طهارة ما نقص منه.
" وظاهر قوله: {ويحرم عليهم الخبائث} (6) يقتضي تحريم استعمال الماء المخالط بالنجاسة مطلقا، من غير اعتبار بالكثرة وتغير الأوصاف، وإنما يخرج من ذلك ما أخرجه دليل قاطع " (7).
" وأما ماء البئر فإنه ينجس بكل ما يقع فيها من النجاسة، قليلا كان ماؤها أو كثيرا " (8). خلافا للشافعي في الكثير. (9) لنا أنه قد خالطته نجاسة وكل ما خالطته نجاسة فهو نجس والتحرز عن النجاسة واجب فيجب التحرز عنه " وأيضا فلا خلاف من الصحابة والتابعين في أن ماء البئر يطهر بنزح بعضه، وهذا يدل على حكمهم بنجاسته على كل حال من غير اعتبار بمقداره ".