فإن قيل: لو شاهد الإمام أو الحاكم رجلا يزني أو يلوط أو سمعه يقذف غيره أو يقر بطلاق زوجته أو يظاهر منها أو يعتق عبده أو يبيع غيره شيئا أ كان يحكم بعمله أم يبطل ذلك؟
قيل: إن كان ما علمه الإمام أو الحكام عقدا أو إيقاعا شرعيا حكم بعلمه، وإن كان بخلاف ذلك لاختلال بعض الشروط كعلمه بغيره ناطقا بكنايات الطلاق أو صريحة في الحيض أو بغير شهادة أو إظهار بغير لفظه أو بغير إشهاد عليه أو قصد إليه إلى غير ذلك لم يحكم لفقد ما معه يصح الحكم من صحة العقد أو الإيقاع، فأما ما يوجب الحدود فالصحيح من أقوال طائفتنا وذوي التحصيل من فقهاء عصابتنا لا يفرقون بين الحدود وبين غيرها من الأحكام الشرعيات في أن للحاكم النائب من قبل الإمام أن يحكم فيها بعلمه كما أن للإمام ذلك مثل ما سلف في الأحكام التي هي غير الحدود لأن جميع ما دل هناك هو الدليل ههنا والمفرق بين الأمرين مخالف مناقض في الأدلة.
وذهب بعض أصحابنا إلى: أن ما يوجب الحدود فإن كان العالم بما يوجبه الإمام فعليه الحكم بعلمه لكونه معصوما مأمونا وإن كان غيره من الحكام الذين يجوز عليهم الكذب لم يجز له الحكم بمقتضاه، وتمسك بأن قال: لأن إقامة الحد أولا ليست من فروضه ولأنه بذلك شاهد على غيره بالزنى واللواط أو غيرهما وهو واحد وشهادة الواحد بذلك قذف يوجب الحد وإن كان عالما يوضح ذلك أنه لو علم ثلاثة نفر غيرهم زانيا لم يجز لهم الشهادة عليه فالواحد أحرى ألا يشهد عليه.
قال محمد بن إدريس مصنف هذا الكتاب: وما اخترناه أولا هو الذي تقتضيه الأدلة وهو اختيار السيد المرتضى في انتصاره واختيار شيخنا أبي جعفر في مسائل خلافه وغيرهما من الجلة المشيخة وما تمسك به المخالف لما اخترناه فليس فيه ما يعتمد عليه ولا ما يستند إليه لأن جميع ما قاله وأورده يلزم في الإمام مثله حرفا فحرفا، فأما قوله: إقامة الحدود ليست من فروضه، فعين الخطأ المحصن عند جميع الأمة لأن الحكام جميعهم المعنيون بقوله تعالى:
والسارق والسارقة فاقطعوا