النظام الأول، ويكون خاصا بالانسان وهكذا تعتبر اللغة، هي شرط النشاط الراقي في الإنسان، وشرط نشاطه الوقتي، وركيزة النظر العقلي. فهي التي تتيح للإنسان أن يعكس الواقع، بأكبر درجة من الدقة. وبهذه الطريقة أثبت (بافلوف) أن ما يحدد - أساسا - شعور الإنسان ليس جهازه العضوي، وظروفه البيولوجية، بل يحدده - على عكس ذلك - المجتمع الذي يعيش فيه الإنسان)) (2) ولنأخذ بشيء من التوضيح محاولة (بولتزير) هذه، التي استدل فيها على رأي الماركسية، بأبحاث (بافلوف).
يرى (بولتزير)، أن من رأي (بافلوف) في العمليات الأساسية للمخ، أنها كلها إستجابات لمنبهات وإشارات معينة. وهذه المنبهات والإشارات، هي بالدرجة الأولى الإحساسات. ومن الواضح أن الاستجابة التي تحصل عن طريق الإحساسات، ليست فكرة عقلية مجردة عن الشيء، لأنها لا تحصل إلا لدى الاحساس بالشيء المعين. فهي لا تتيح للانسان أن يفكر في شيء غائب عنه. وبالدرجة الثانية يأتي دور اللغة، والأدوات اللفظية، لتقوم بدور المنبهات والإشارات الثانوية. فيشرط كل لفظ بإحساس معين، من تلك الإحساسات، فيصبح منبها شرطيا بالدرجة الثانية. ويتاح للانسان أن يفكر، عن طريق الإستجابات، التي تطلقها المنبهات اللغوية إلى ذهنه، فاللغة - إذن - هي أساس الفكر. وحيث ان الفكر. وحيث ان اللغة ليست إلا ظاهرة اجتماعية، فالفكر ليس - على هذا - إلا ظاهرة ثانوية للحياة الاجتماعية.
هذه هي الفكرة التي عرضها (بولتزير).
وبدورنا نتساءل: هل اللغة هي أساس الفكر حقا، (فليس هناك أفكار عارية متحررة من أدوات اللغة)، على حد تعبير ستالين؟. ولأجل التوضيح نطرح المسألة على الوجه التالي: هل أن اللغة هي التي خلقت من الانسان كائنا مفكرا، بصفتها ظاهرة اجتماعية معينة، كما يقرر بولتزير؟ أو أنها وجدت في حياة الانسان (1) المادية والمثالية في الفلسفة) ص 78.