الاجتماعية على أساس آخر، ولم يدحض الدليل العلمي ذلك، فليس التفسير الماركسي، تفسيرا علميا، إذا أمكن - مثلا - أن نفسر نشوء الدولة، على أساس تعقيد الحياة المدنية. ونبرر بذلك قيام الدولة في كثير من المجتمعات البشرية. ففي مصر القديمة - مثلا - لم تكن الحياة الاجتماعية فيها ممكنة، بدون جهود معقدة جسيمة، وعمل واسع شامل، لتنظيم جريان وفيضان الأنهر الكبيرة، وتنظيم شؤون الري. فظهرت الدولة لتسيير الحياة الاجتماعية، والإشراف على العمليات المعقدة، التي تتوقف الحياة العامة عليها. ولأجل هذا نجد أن طائفة الاكليروس المصريين، كانوا يتمتعون بمكانة عليا في جهاز الدولة المصرية القديمة، لا على أساس طبقي، وإنما على أساس الدور الخطير، الذي لعبته معارفهم العلمية، في نظام الزراعة المصرية. وكذلك أيضا نجد أن رجال الكنيسة، تمتعوا بمركز كبير في جهاز الدولة الرومانية، عندما دخل الجرمان في الدولة الرومانية، أفواجا متبرة تلو أفواج. إذ بدت الكنيسة - على إثر ما أدى إليه الغزو الجرماني، من انهيار التعليم والثقافة - صاحبة الصدارة الفكرية في البلاد، حيث صار الرجل من رجال الدين الكنيسي، هو الوحيد الذي يعرف القراءة والكتابة، والتكلم باللاتينية. وهو الذي يفهم دون غيره - حساب الشهور، ويستطيع أن يمارس العمل الرتيب، لتصريف شؤون الإدارة الحكومية، بينما انصرف ملوك الجرمان، والقادة العسكريون منهم، إلى صيد الخنازير والإبل والغزال، وخوض معارك الغزو والتخريب.
فكان من الطبيعي، أن يسيطر رجال الكنيسة على الإدارة الحكومية في البلاد، ويكون لهم أثر كبير في الجهاز السياسي الحاكم، الأمر الذي جلب لهم من المغانم والمكاسب، ما جعلهم - في رأي الماركسية - طبقة ذات مصالح اقتصادية معينة. فالنفوذ الاقتصادي أو المصالح الاقتصادية، إنما حصلت عن طريق الوجود السياسي. وأما وجودهم السياسي في جهاز الحكم، فلم يكن قائما على أساس ذلك النفوذ الاقتصادي، الذي اكتسبوه بعد ذلك، وإنما قام على أساس امتيازاته الفكرية والإدارية.