بين النظريات الأساسية والتفصيلات التشريعية، بين المذهب والقانون، أي بين النظريات الأساسية للرأسمالية في حرية التملك، وحرية التصرف، وحرية الاستثمار، وبين التشريعات القانونية التي ترتكز على أساسها تلك المبادئ الرأسمالية في الحرية.
ولأجل هذا يكون من الخطأ أن يقدم الباحث الإسلامي مجموع من أحكام الإسلام - التي هي في مستوى القانون المدني حسب مفهومه اليوم - ويعرضها طبقا للنصوص التشريعية والفقهية بوصفها مذهبا اقتصاديا إسلاميا، كما يصنع بعض الكتاب المسلمين، حين يحاولون دراسة المذهب الاقتصادي في الإسلام، فيتحدثون عن مجموعة من تشريعات الإسلام التي نظم بها الحقوق المالية والمعاملات، كالأحكام الشرعية بشأن البيع والإيجار والشركة والغش والقمار وما إليها من تشريعات، فإن هؤلاء كمن يريد أن يدرس ويحدد المذهب الاقتصادي للمجتمع في (انكلترة) مثلا، فيقتصر في دراسته على القانون المدني لتلك البلاد وما يضمه من تشريعات، بدلا عن استعراض الرأسمالية ومبادئها الأساسية في حرية التملك والتصرف والاستثمار، وما تعبر عنه هذا المبادئ من مفاهيم وقيم.
ونحن حين نؤكد على ضرورة التمييز بين الكيان النظري للمذهب الاقتصادي، وبين القانون المدني، لا نحاول بذلك قطع الصلة بينهما، بل نؤكد في نفس الوقت على العلاقة المتينة التي تربط المذهب بالقانون، بوصفها جزئين من بناء نظري كامل للمجتمع. فليس المهم فقط أن نرتفع إلى مستوى التمييز بين المذهب الاقتصادي والقانون المدني، بل باعتبارهما مندمجين في مركب عضوي نظري واحد.
فالمذهب الاقتصادي بنظرياته وقواعده يشكل قاعدة لبناء فوقي من القانون، ويعتبر عاملا مهما في تحديد اتجاهه العام (1). وكون المذهب قاعدة نظرية للقانون لا ينفي اعتبار المذهب بدوره بناء علويا لقاعدة يتركز عليها، فان البناء النظري الكامل للمجتمع يقوم على أساس نظرة عامة، ويضم طوابق متعددة يرتكز بعضها على