بعض، ويعتبر كل طابق متقدم أساسا وقاعدة للطابق العلوي المشاد عليه. فالمذهب والقانون طبقان من البناء النظري، والقانون هو الطباق العلوي منهما الذي يتكيف وفقا للمذهب، ويتحدد في ضوء النظريات والمفاهيم الأساسية التي يعبر عنها ذلك المذهب.
ولنأخذ لأجل التوضيح مثالا على ذلك من المذهب الرأسمالي الحر في الاقتصاد، وعلاقاته بالقوانين المدنية على صعيدها النظري والواقعي، لتتجسد لنا الصلة بين المذهب والقانون، ومدى تأثر القانون نظريا وواقعيا بالنظريات المذهبية.
ففي مجال الحقوق الشخصية من القانون المدين، نستطيع أن نفهم أثر المذهب فيه، إذا عرفنا أن نظرية الالتزام - وهي حجر الزاوية في القانون المدني - قد استمدت محتواها النظري من طبيعة المذهب الرأسمالي، في الفترة التي طغت فيها الأفكار الرأسمالية على الحرية الاقتصادية، وسيطرت مبادئ الاقتصاد الحر على التفكير العام، فكان من نتيجة ذلك ظهور مبدأ سلطان الإرادة في نظرية الالتزام، الذي يحمل الطابع المذهبي للرأسمالية إذ يؤكد - تبعا لإيمان الرأسمالية بالحرية واتجاهها الفردي - على أن الإرادة الخاصة للفرد هي وحدها مصدر جميع الالتزامات والحقوق الشخصية، ويرفض القول بوجود أي حق لفرد على آخر، أو لجماعة على فرد، ما لم تكمن وراءه إرادة حرة يتقبل الفرد بموجبات ثبوت الحق عليه بملء حريته.
ومن الواضح أن رفض أي حق على الشخص ما لم ينشئ ذلك الشخص الحق على نفسه بملء إرادته، ليس إلا نقلا أمينا للمضمون الفكري للمذهب الرأسمالي - وهو الحرية الاقتصادية - من الحقل المذهبي الاقتصادي إلى الحقل القانوني، ولذا نجد أن نظرية الالتزام حين تقام على أساس مذهبي آخر في الاقتصاد، تختلف عن ذلك، وقد يتضاءل دور الإرادة فيها حينئذ إلى حد بعيد.
ومن مظاهر نقل المضمون النظري للمذهب الرأسمالي إلى التفصيلات التشريعية على الصعيد القانوني: سماح القانون المدني القائم على أساس رأسمالي في تنظيماته، لعقود البيع والقرض والإيجار، ببيع كمية عاجلة من الحنطة بكمي أكبر