منها تدفع بعد ذلك، وبإقراض المال بفائدة معينة بنسبة مئوية، وباستئجار الرأسمالي عمالا يستخدمهم في استخراج البترول من الأرض بالوسائل التي يملكها لكي يتملك ذلك البترول.. إن القانون حين يجيز كل ذلك، إنما يستمد في الحقيقة مبررات هذا الجواز من النظريات الرأسمالية للمذهب، الذي يرتكز القانون عليه.
والأمر نفسه نجده أيضا في مجال الحقوق العينية من القانون المدني: فحق الملكية وهو الحق العيني الرئيسي، ينظمه القانون وفقا للموقف العام الذي يتخذه المذهب الاقتصادي من توزيع الثروة، فالرأسمالية المذهبية فرضت على الطابق الفوقي في البناء الرأسمالي، أن يسمح للأفراد بملكية المعادن تطبيقا لحرية التملك، وأن يقدم مصلحة الفرد في الانتفاع بنا يملك على أي اعتبار آخر، فلا يمنع الفرد عن ممارسة أمواله بالطريقة التي تحلو له مهما كان أثر ذلك على الآخرين ين ما دامت الملكية والحرية حقا طبيعيا للفرد، وليست وظيفة اجتماعية يمارسها الفرد ضمن الجماعة.
وحين أخذ دور الحرية الاقتصادية يتضاءل، ومفهوم الملكية الخاصة يتطور، بدأت القوانين المدنية تمنع عن تملك الفرد لبعض الثروات أو المرافق الطبيعية، ولا تسمح له بالإساءة في استعمال حقه في التصرف والانتفاع بماله.
فهذا كله يجلي علاقة التبعية بين القانون المدني والمذهب، إلى درجة يجعل من الممكن التعرف على المذهب وملامحه الأصيلة عن طريق القانون المدني. فالشخص الذي لم يتح له الاطلاع المباشر على المذهب الاقتصادي لبلد ما، يمكنه أن يرجع إلى قانونه المدني، لا بوصفه المذهب الاقتصادي، فان المذهب غير القانون، بل باعتباره البناء العلوي للمذهب والطابق الفوقي الذي يعكس محتوى المذهب وخصائصه العامة، ويمكنه عندئذ في ضوء دراسة القانون المدين للبلد، أن يعرف بسهولة كون البلد رأسماليا أو اشتراكيا، بل وحتى الدرجة التي يؤمن البلد بها من الرأسمالية والاشتراكية.