المتداول في المجتمع إلى كنوزهم، ويمتصون بالتدريج، ويعطلوا وظيفة المبادلة كواسطة بين الإنتاج والاستهلاك، ويضطروا الكثرة الكاثرة إلى مهاوي البؤس والفقر، وبالتالي يتوقف الاستهلاك، نظرا إلى حركة الإنتاج، لأن انعدام القدرة الشرائية عند المستهلكين أو انخفاضها يجرد الإنتاج من أرباحه، ويعم الكساد شعب الحياة الاقتصادية كلها.
ولا تقف مشاكل النقد عند هذه الحد، بل إن النقد قد أدى إلى مشكلة قد تكون أخطر من المشاكل التي عرضناها. فلم يقتصر النقد على أن يكون أداة اكتناز، بل أصبح أداة تنمية للمال عن طريق الفائدة التي يتقاضاها الدائنون من مدينيهم، أو يتقاضاها أصحاب الأموال من المصارف الرأسمالية التي يودعون أموالهم فيها.. وهكذا أصبح الاكتناز في البيئة الرأسمالية سببا لتنمية الثروة بدلا عن الإنتاج، وانسحبت بذلك رؤوس أموال كثيرة على مشروع من مشاريع الإنتاج والتجارة، إلا إذ اطمأن إلى أن الربح الذي يدره المشروع عادة أكثر من الفائدة التي يمكن أن يحصل عليها عن طريق اقراض ماله، أو إيداعه في المصارف.
وأخذت الأموال على أساس الفائدة الربوية تتسرب إلى الصيارفة منذ بداية العصر الرأسمالي، حيث أخذ هؤلاء يجذبون الكميات المكتنزة من النقد عند مختلف الأفراد، عن طريق إغرائهم بالفائدة السنوية التي يتقاضاها زبائن المصرف عن أموالهم التي يودعونها فيه، فتجمعت تلك الكميات المختلفة في كنوز الصيارفة بدلا عن استخدامها في الإنتاج المثمر، وقامت على أساس هذا التجمع المصارف والبيوت المالية الكبيرة التي امتلكت زمام الثروة في البلاد، وقضت على أي مظهر من مظاهر التوازن في الحياة الاقتصادية.