وأما في عملية الاكتشاف للمذهب الاقتصادي، فقد ينعكس السير ويختلف المنطلق، وذلك حينما نكون بصدد اكتشاف مذهب اقتصادي لا نملك له أو لبعض جوانبه صورة واضحة، ولا صيغة محددة من قبل واضعيه، كما إذا كنا لا نعرف أن المذهب يؤمن بمبدأ الملكية العامة أو مبدأ الملكية الخاصة، أو لا نعرف الأساس النظري للملكية الخاصة في المذهب هل هو الحاجة أو العمل أو الحرية؟.
ففي هذه الحالة، ما دمنا لا نملك نصا محددا لواضعي المذهب الذي يراد اكتشافه يبدد الغموض الذي يكتنف المذهب.. فلا بد من الفحص عن طريقة أخرى لاستخدامها في اكتشاف المذهب، أو النواحي المظلمة منه.
وهذه الطريقة يمكننا تحديدها في ضوء علاقة التبعية التي شرحناها سابقا بين المذهب والقانون، فما دام القانون المدني طابقا فوقيا بالنسبة إلى المذهب، يرتكز عليه ويستمد منه اتجاهاته. فمن الممكن اكتشاف المذهب عن طريق القانون، إذا كنا على علم بالقانون الذي يرتكز على ذلك المذهب المجهول. وهكذا يصبح من الواجب على عملية الاكتشاف أن تفتش عن إشعاعات المذهب في المجال الخارجي، أي عن أبنيته العلوية وآثار إلى ينعكس ضمنها في مختلف الحقول، لتصل عن طريق هذه الإشعاعات والآثار إلى تقدير محدد لنوعية الأفكار والنظريات في المذهب الاقتصادي، الذي يختفي وراء تلك المظاهر.
وبهذا يتعين على عملية الاكتشاف أن تسلك طريقا معاكسا للطريق الذي سلكته عملية التكوين، فتبدأ من البناء العلوي إلى القاعدة، وتنطلق من جمع الآثار وتنسيقها إلى الظفر بصورة محددة للمذهب، بدلا عن الانطلاق من وضع المذهب إلى تفريع الآثار.
وهذا تماما هو موقفنا في عملية الاكتشاف التي نمارسها من الاقتصاد الإسلامي، أو من جزء كبير منه بتعبير أصح، لأن بعض جوانب المذهب الاقتصادي في الإسلام وإن كان بالامكان استنباطها مباشرة من النصوص، ولكن هناك من النظريات والأفكار الأساسية التي يتكون منها المذهب الاقتصادي ليس من الميسور الحصول عليها في النصوص مباشرة، وإنما يتعين الحصول عليها بطريق غير مباشر،