وإذا حدث العكس، فانخفضت كمية العمل التي يتطلبها إنتاج الورق إلى النصف فسوف تتضاعف كمية الورق التي ينتجها المجتمع - في حالة بقاء مجموع العمل الاجتماعي المنفق على إنتاج الورق، بنفس الكمية السابقة وتهبط منفعته الجدية، وتقل ندرته نسبيا، وبالتالي تنخفض قيمته التبادلية.
وما دام من الممكن تفسر الظاهرة في ضوء عامل الندرة، أو المنفعة الحدية، كما يمكن أن تعتبر دليلا علميا من واقع الحياة، على صحة هذا القانون دون سواه من الفرضيات.
والعمل - بعد هذا كله - عنصر غير متجانس، يضم وحدات من الجهود مختلفة في أهميتها، ومتفاوتة في درجتها وقمتها. فهناك العمل الفني الذي يتوقف على خبرة خاصة، والعمل البسيط الذي لا يحتاج إلى الخبرة العلمية والفنية. فساعة من عمل الحمال تختلف عن ساعة من عمل المهندس المعماري، ونهار من عمل الصانع الفني الذي يبذله لإنتاج محركات كهربائية، يختلف - تمام الاختلاف - عن عمل العامل الذي يحفر السواقي الصغيرة في الحديقة.
وهناك أيضا العوامل الذاتية الكثيرة - التي تؤثر على العمل - باعتباره صفة إنسانية - فتحدد أهميته ودرجة كفايته، كما تحدد الجهد النفسي والعضوي الذي يتطلبه. فالاستعداد الطبيعي العضوي والذهني للعامل، ومدى رغبته في النبوغ والتفوق على الآخرين، ونوعية ما يختلج في نفسه من عاطفة بالنسبة إلى العمل، يجعله يقبل عليه مهما بلغت مشقته، أو يعرض عنه مهما خف عبؤه، وما يشعر به من حيف وحرمان، أو ما ينعم به من حوافز تدفعه إلى التفنن والإبداع، وما تحيط به من ظروف تدعه فريسة لعوامل السأم والضجر، أو تبعث في نفسه شيئا من قوة الأمل والرجاء... كل هذه الأمور تعتبر من العوامل التي تؤثر على نوعية العمل وتحدد قيمته.
فمن الخطأ أن تقاس الأعمال قياسا كميا عدديا فحسب، وإنما هي بحاجة إلى قياس نوعي وصفي أيضا، يحدد نوعية العمل المقاس ومدى تأثره بتلك العوامل.