وظاهرة أخرى لا تستطيع الماركسية أن تفسرها، على ضوء قانونها الخاص في القيمة، بالرغم من وجودها في كل مجتمع، وهي: انخفاض القيمة التبادلية للسلعة، تبعا لانخفاض الرغبة الاجتماعية فيها: فكل سلعة إذا تضاءلت الرغبة فيها، ولم يعد المجتمع يؤمن بمنفعة مهمة لها، تفقد - بسبب ذلك - جزءا من قيمتها التبادلية، سواء كان هذا التحول - في رغبات المجتمع - نتيجة عامل سياسي أو ديني أو فكري، أو أي عامل آخر، وهكذا تتضاءل قيمة السلعة، بالرغم من احتفاظها بنفس الكمية من العمل الاجتماعي، وبقاء ظروف إنتاجها كما هي دون تغيير. وهذا يبرهن بوضوح إلى أن للدرجة التي تتيحها السلعة من الانتفاع واشباع الحاجات، أثرا في تكوين القيمة التبادلية. فمن الخطأ أن تعتبر نوعية القيمة الاستعمالية، ودرجة الانتفاع بالسلعة كمية مهملة كما تقرر الماركسية.
والماركسية حين تتغاضى عن هذه الظاهرة، وتحاول تفسيرها في ضوء قوانين العرض والطلب: تؤكد على ظاهرة أخرى، بوصفها تعبيرا واقعيا عن قانونها في القيمة، وهي: أن القيمة التبادلية تتناسب طرديا مع كمية العمل المتجسد في السلعة. فإذا ساءت ظروف الإنتاج، وتطلب عملا مضاعفا في سبيل إنتاج السلعة تضاعفت قيمتها التبادلية تبعا لذلك. وإذا اتفق عكس هذا، فتحسنت ظروف الإنتاج، وأصبح من الممكن الاكتفاء بنصف الكمية السابقة من العمل الاجتماعي، في إنتاج السلعة، انخفضت قيمة السلعة بدورها إلى النصف أيضا.
وهذه الظاهرة وإن كان حقيقة واضحة في مجرى الحياة الاقتصادية، ولكنها لا تبرهن على صحة قانون القيمة عند الماركسية، إذ كما يمكن لهذا القانون أن يفسر هذا التناسب بين القيمة وكمية العمل، كلك يمكن تفسره في ضوء آخر أيضا. فإن ظروف إنتاج الورق مثلا، إذا ساءت وتطلب إنتاجه كمية مضاعفة من العمل، انخفضت كمية الورق المنتجة اجتماعيا إلى النصف - في حالة بقاء مجموع العمل الاجتماعي المنفق على إنتاج الورق المنتج إلى النصف، يصبح أكثر ندرة، وتزداد الرغبة فيه، وترتفع منفعته الحدية.