و (منها) إن عقد الإجارة بمدلوله المطابقي لا يقتضي إلا تمليك المنفعة والعمل بإزاء الأجرة والكراء من دون تعرضه ولا تضمنه للتسليم والتسلم كما في عقد البيع، فالتسليم والتسلم ليسا من مقتضيات العقد ومدرك لزوم التسليم أمران:
أحدهما: إنه من مقتضيات الملك لا من مقتضيات العقد، لقاعدة سلطنة الناس على أموالهم، فللمالك سلطان على مطالبة ماله وليس لمن بيده المال سلطان على الامتناع عن دفعه شرعا، إلا لم يكن لمالكه سلطان مطلق على ماله وهو خلف، وحيث إن السلطنة على المال من لوازم الملك الحاصل بالعقد صح دعوى اقتضاء العقد لذلك بالالتزام لا بالمطابقة، إلا أن هذا المعنى لا يترتب عليه استحقاق الامتناع عن الدفع مع امتناع الآخر، فإن ظلم أحد لا يسوغ ظلم الآخر، كما لا يترتب عليه سائر الثمرات التي ربما نشير إليها.
ثانيهما: إن بناء عقود المعاوضات عند العرف على التسليم المعاوضي كالتمليك المعاوضي بمعنى أن التمليك في قبال التمليك والتسليط الخارجي في قبال التسليط الخارجي، ولكن لا بمعنى أنه من مراتب عقد البيع والإجارة وسائر عقود المعاوضات، بتخيل أن عقد البيع يقتضي المقابلة بين التسليط من طرف والتسليط من طرف آخر، بالمعنى الجامع بين السلطنة الاعتبارية وهي الملكية والسلطنة الفعلية المساوقة للتسليم، لفساد هذا التخيل، فإن القابل لأن ينشأ بالعقد ويتسبب به إليه هي الأمور الاعتبارية دون السلطنة الخارجية والاستيلاء العيني المتحقق بمباديه لا بالأسباب الجعلية بل بمعنى أن المعلوم من بناء العرف والعقلاء في باب المعاوضات التزامهم في ضمن العقود المعاوضية بالتسليم المعاوضي، فسبب الملكية المعاوضية هو العقد وسبب استحقاق التسليم بإزاء التسليم هو الالتزام الضمني، فكما لا يملك المال إلا بإزاء ملك الآخر كذلك لا يستحق التسلم إلا بإزاء التسليم، لا توقف استحقاقه على تسليمه ولا توقف جواز المطالبة على تسليمه، بل كما أن تمليك أحد المالين بإزاء الآخر أوجب التبادل في الملكية في مرتبة واحدة من دون تقدم وتأخر ولا اشتراط ملكية بملكية كذلك الالتزام بالتسليم بإزاء التسليم أوجب