إذا عرفت ما رسمناه من الأمور فاعلم (أما المسألة الأولى) فتوضيح الحال فيها أن الوجوه المتصورة في تمليك منفعة الدار كثيرة:
(منها) أن يكون المراد من قولهم آجرتك الدار كل شهر بدرهم تمليك المقدار الذي يختاره المستأجر خارجا، فإنه لا محالة متعين مع فرض الاستيفاء، فيكون محذوره جهالة المنفعة والأجرة حال العقد، وهذا أحسن وجه لمن يختار الصحة ويوافق تعليل القائل بالبطلان بلزوم الجهالة و (منها) أن يكون المراد تمليك المنفعة الأبدية أي الماهية بشرط شئ بنحو الاستغراق، فيكون قوله كل شهر بدرهم ميزانا للأجرة وهذا أيضا محذوره الجهالة حال العقد إلا أنه غير مفروض المسألة، فإن فرض صحته فرض ملكية المنفعة الأبدية ولا يقولون بخروج المنفعة عن ملكه أبدا ولا يكون المستأجر ملزوما بذلك.
و (منها) أن يكون المراد تمليك المنفعة الملحوظة لا بشرط من حيث المدة طولا وقصرا، ومقتضاه استحقاق طبيعي المنفعة المقابلة لتطبيقها على شهر أو أكثر، ولازمه وحدة الأجرة لا كل شهر بدرهم كما هو مفروض المسألة.
و (منها) أن يكون المراد تمليك المنفعة في الشهر الأول بدرهم وما زاد بحسابه، وهذا يصح في الشهر الأول دون بقية الأشهر إلا أنه أيضا خلاف مفروض هذه العبارة. وأما ملاحظة المنفعة من دون التعين اللا بشرطي ولا التعين بشرط شئ عموما أو خصوصا ولو بملاحظة ما يختاره المستأجر فلا يجدي شيئا، لما عرفت من أن الماهية غير المتعينة بأحد التعينات لا واقعية لها فيستحيل أن تكون مقومة لصفة الملكية وهذا هو الوجه في عدم صحة مثل هذه الإجارة لا لزوم جهالة الأجرة والمنفعة، لما تقدم من أن العلم والجهل في ما كان له واقع محفوظ، فما لا واقعية له لفرض عدم أخذه متعينا بأحد التعينات اللازمة في واقعية المفهوم يستحيل أن يقع موقع أية صفة كانت حقيقية أو اعتبارية، ومنه يتبين أيضا أنه لا موقع للتمسك بالاطلاقات والعمومات في تصحيح أمثال هذه المعاملات، فإن مقام الاثبات إنما يجدي بعد إمكان مقام الثبوت.