العلم الناشئ عن تعلم، علما آخر لعله أسمى منه، يزقه الخالق مخلوقاته زقا ويلهمه إياها إلهاما، قلم يحبر، أو عين تتحسس، أو فكر يجول في استلهام علمه وفنه، فقد ورد في الحديث الشريف: " من أخلص للحق فيما يقول ويفعل علمه الله بلا تعلم " قال يزيد بن معاوية في أهل البيت (عليهم السلام)، عندما استأذنه زين العابدين ليتكلم وهو صبي مفجوع بقتل أبيه، ورفض يزيد أن يأذن له وأنكر عليه أهل مجلسه هذا الرفض قائلين: ما ذا يحسن هذا الصبي فدعه يتكلم، فقال يزيد لهم: " هؤلاء أهل بيت زقوا العلم زقا ".
والحديث الشريف القائل: " إن الحكمة ضالة المؤمن يلتقطها أنى وجدها لا يبالي من أي وعاء خرجت ". أقول: إن هذا الحديث يشير إلى أن الحكمة وهي في صميم العلم، يمكن للمؤمن سواء كان متعلما أو أميا، أن يظفر بها عن طريق الإلهام دونما إعمال عقل أو إجالة فكر، كما يعمل العقل العالم والفكر المجرب.
إن التقاط الحكمة معناها استلهامها من كل ما يدركه الحس ويعيه القلب ولو شاء رسول الله بكلمته هذه أخذ الحكمة عن طريق العلم لقال غير ذلك، ولكان ينبغي أن يقول: الحكمة ضالة المؤمن العالم يبحث عنها في كل ما يحس فكلمة المؤمن أعم من العالم، وكلمة يلتقطها بمعناها الدقيق يقنصها ويظفر بها والمعنى الباقي في كلمته (ص): أن ظفر المؤمن بالحكمة ليس له ضابط وأن مكان هذه الحكمة غير محدود، والعلم غير ذلك. فإن له ضوابط وأصولا وقواعد لا بد للمتعلم من يتدرج فيها ليصل إلى العلم المفضي به إلى الحكمة التي يؤتى كثيرا من الخير من يؤتاها.
في دستور الإمام إذن تقسيم الإنسان إلى ثلاثة: علماء، ومتعلمين، وجهلاء، ولا يزال هذا التقسيم قائما حتى اليوم، ثم لن يزال كذلك قائما