يخلص في عمله، ويضحي بين يدي إنسانيته في سبيل دينه وكرامته، من هذا القبيل علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ومن القبيل الأول كان معاوية بن أبي سفيان، والواقع الذي يؤلم أن سنة علي تعطلت بموته ولا تزال سنة معاوية لها السيادة في العالم حتى اليوم، ذلك لماذا؟؟؟.
ذلك لأن عليا كان يريد أن يتخذ الخلافة وسيلة لتوجيه الأمة إلى الحق، ولأن معاوية أراد أن يتخذ توجيه الأمة إلى الباطل وسيلة للخلافة، وأكثر الناس مأخوذون بزخرف الحياة الدنيا، فحيث رأوا هذا الزخرف شخصوا إليه إلا من هدى الله قلبه للإيمان وهو نادر في الأمة، لأن في الإيمان قيدا للنفس عن الهوى وفي الكفر انطلاق لها بين يدي متع الحياة، والدين إنما نزل ليغرز الإيمان في النفوس بالعلم، فيكثر العالم الرباني والمتعلم الناجي، ويتضاءل الهمج الذي ينعق مع كل ناعق، ويتقهقر إذ ذاك من يتخذ الرعاع وسيلة لإشباع شهواته من حطام الدنيا، ثم يتقدم بعد ذلك من يتخذ الخاصة جنده في تعزيز الحق كم في هذا التقسيم للناس من علم بالناس؟؟ وأين درس علي هذه العلوم؟؟
وإذا قلنا: إنه تلميذ محمد فأين درس محمد؟؟ ثم إذا ثبت لدينا أن محمدا كان أميا لا يقرأ ولا يكتب، فمن أين جاء بهذا العلم وأفضى به إلى وزيره وخليفته علي أقول مرة ثانية: كيف علم علي أن من العلم ما هو رباني، أي أنه من الله مباشرة دونما تعلم وإنما هو بطريق الإلهام، سواء كان هذا العالم الملهم نبيا أو غير نبي، وسواء كان أميا أم متعلما، وسواء كان ذكرا أو أنثى، ولعلي أجرأ على أن أقول: سواء كان هذا الملهم إنسانا أو غير إنسان؟؟.
إن فيما يأتينا به رسل الله من شرائع، وفيما يأتينا به الحكماء والعلماء أميين ومتعلمين، ثم فيما يأتينا به غير الإنسان كالطير في نباهته الغريزية وهو يزقزق ويغرد مع الفن، أقول: إن في ذلك كله علما ربانيا يشعرنا بأن وراء