حتى يقوم الحشر، فلا يقولن معترض: إن في سويسرا مثلا فضلا عن انكلترا أو ولايات أمريكا المتحدة ما يخالف هذا التقسيم، لأن الأمية في هذه الأقطار لا وجود لها، وبأن سويسرا قد شيعت الأمية بحفاوة بالغة، إشعارا بأن الماضي ولي بجهله وبأن الحاضر يستقبل العلم الذي لا جهل وراءه...
أقول: ليس في هذا ما ينقض حكم الإمام في دستوره، فإن الجهل غير قاصر على الأمية، وليست الثقافة قاصرة على العلم، فكم من جاهل أمي وهو في عداد العلماء بثقافته الفطرية. وكم من عالم قطع حياته في الدرس وهو في عداد الجهلاء بما أوتيه من سفه في الرأي وخطل في الفكر، فلو لم يكن في الأمة إلا أمي أم متعلم، لكان من هؤلاء الأميين أو أولئك المتعلمين ثلاثة: أحدهم عالم، والثاني متعلم، والثالث همج.
هذا إذا لم نعتبر الناس بمفهومهم العام أي سكان الأرض لا سكان أمريكا أو أوربا، فإن الإمام لم يقل أمريكا أو غيرها وإنما قال: الناس، فإذا كان العالم في الغرب فيقابله الجاهل في شرق الأرض أو جنوبها مثلا، والعالم في دستور الإمام هو من عمل بعلمه، لقوله: " العالم من عمل بعلمه ووافق علمه عمله " فيخرج بهذا من تعلم وأعرق ثم لم يعمل، أو من عمل ولم يطابق علمه عمله فهو إذ ذاك في عداد الجهلاء وكلام (الإمام سلام الله عليه) في أكثر أقواله عريق في البيان عراقته في الحقيقة، لذاك نجد أنه يتجوز في كثير من أقواله، وبهذا كان أبلغ من خطب وكتب منذ كان حتى عصرنا الحاضر، وبهذا أيضا كان المجدد الأول في بيانه، ثم أعطي لقب إمام البلغاء ". (1) لقد حث الإسلام على طلب العلم، كل علم بدون استثناء، حث عليه لأنه مظهر لقدرة الله وعظمته، وقوة نتغلب بها على ما يعترض سبيلنا من عقبات