الأول في توجيه الإنسانية والهيمنة على نظم الحياة فيها، هذا هو العالم الرباني وأما المتعلم على سبيل نجاة: وهو النوع الثاني من مقومات الإنسانية فهو من يتلقى العلوم من معاهد تشاد للدراسة والتلقين، أو يتلقاها من أفواه الناس أو بطون الكتب، أو من مظاهر الحياة على ألسنة هدير البحر وهيمنة النسيم، كل ذلك من بواعث العلوم والفنون في نفس الإنسان إذا شاء أن يتعلم ليصل بعلمه أو فنه إلى حيث ينجو من شقاء الدنيا أو من عذاب الآخرة فإن العلم أو الفن، أيا كان، يفضي بطالبه إلى النجاة من شقائه القائم على الجهل وأقل ما ينشأ عن الجهل الفقر والمرض المفضيان بالإنسانية إلى الدمار آخر الأمر.
وأما الهمج الذي ينعق مع كل ناعق، وهو النوع الثالث من مقومات الإنسانية فهو الذي يقوم على خدمة العالم والمتعلم في تأمين وسائل الحياة لذلك كان مسيرا لا خيرة له فيما يعمل، ولا حول له ولا طول في حياته، إلا بأن يأتمر وينتهي بين يدي موجهه العالم الرباني والمتعلم الناجي وإلا هلك.
الهمج الرعاع من بني الإنسان هم الذين يشكلون السواد الأعظم، وهم الذين يطأون الحق بأقدامهم إذا قادهم مبطل ويرفعون لواء الحق إذا قادهم محق، فهم السلاح لإصلاح العالم، وهم السلاح لإفساده، من أجل ذلك نرى السعيد في الأمة من يقوى على توجيه العامة من الشعب، ونرى الشقي من يخفق في هذا التوجيه، ومن هنا رأينا عليا (عليه السلام) يرجع مغصوصا إلى ربه أن أخفق في قيادة الرأي العام في أمته، بينما كان خصمه معاوية يتقلب على رياش العز إذ كان مفلحا في قيادة الرعاع من أمة محمد.
ذلك لأن وسائل القيادة في العامة تضطر القائد لأن يتسامح في دينه، فينافق ويكذب ويدجل ويضلل، ويغدر ويفجر، ثم ينفق مال الأمة في غير سبيله، وعلى العكس نرى وسائل القيادة والتوجيه في الخاصة تضطر القائد لأن