ينبغي لأحد أن يغتر بأمان أو يثق بعهد، وإذا ما قبل الناس شيئا مما كانوا يعطون من ذلك، ولكنه وضع على العلانية وعلى نية من تعقد له العهود والشروط، ثم انصرف. فقال فيروز لأصحابه لقد كان اخشنوار حسن المحاورة وما رأيت للفرس الذي كان تحته نظيرا في الدواب، فإنه لم يزل قوائمه ولم يرفع حوافره عن موضعها، ولا صهل ولا أحدث شيئا يقطع به المحاورة في طول ما تواقفنا. وقال اخشنوار لأصحابه: لقد واقفت فيروز كما رأيتهم وعليه السلاح كله فلم يتحرك ولم ينزع رجله من ركابه ولا حنى كما رأيتم وعليه السلاح كله فلم يتحرك ولم ينزع رجله من ركابه ولا حنى ظهره، ولا التفت يمينا وشمالا، ولقد توركت أنا مرارا وتمطيت على فرسي والتفت إلى من خلفي ومددت بصري فيما أمامي، وهو منتصب ساكن على حاله، ولولا محاورته إياي لظننت أنه لا يبصرني. وإنما أرادا بما وصفا من ذلك أن ينشر هذان الحديثان في أهل عسكرهما فيشتغلوا بالإضافة فيهما عن النظر فيما تذاكرا، فلما كان في اليوم الثاني أخرج اخشنوار الصحيفة التي كتبها لهم فيروز ونصبها على رميح ليراها أهل عسكر فيروز فيعرفوا غدره وبغيه ويخرجوا من متابعته على هواه، فما هو إلا أن رأوها حتى انتقض عسكرهم واختلفوا وما تلبثوا إلا يسيرا حتى انهزموا وقتل منهم خلق كثير وهلك فيروز، فقال اخشنوار لقد صدق الذي قال: لا مرد لما قدر ولا شئ أشد إحالة لمنافع الرأي من الهوى واللجاج، ولا أضيع من نصيحة يمنحها من لا يوطن نفسه على قبولها والصبر على مكروهها، ولا أسرع عقوبة وأسوأ عاقبة من البغي والغدر، ولا أجلب لعظيم العار والفضوح من الأنف وإفراط العجب) (1) ثم أن للسلطان العادل حقوقا على رعيته، وأن لهم عليه حقوقا - كما مرت الإشارة إليه موجزا -
(٤٠٤)