وأصيب سعادة وحظوة فيما أمامي. ففعل (اخشنوار) به ذلك وحمله فألقاه في الموضع الذي أشار إليه، فمر به فيروز في جنوده فسأله عن حاله فأخبره أن اخشنوار فعل به ما يراه، وأنه شديد الأسف كيف لا يستطيع أن يكون أمام الجيش في غزو بلاده وتخريب مدينته، ولكنه سيدل الملك على طريق هو أقرب من هذا الطريق الذي يريدون سلوكه وأخفى، فلا يشعر اخشنوار حتى يهجم عليه فينتقم الله منه بكم، وليس في هذا الطريق من المكروه إلا تغور يومين ثم تفضون إلى كل ما تحبون. فقبل فيروز قوله بعد أن أشار إليه وزراؤه بالاتهام له والحذر منه، فخالفهم وسلك تلك الطريق، فانتهوا بعد يومين إلى موضع من المفازة لا صدر لهم عنه، ولا ماء معهم، ولا بين أيديهم، وتبين لهم أنهم قد خدعوا، فتفرقوا في تلك المفازة يمينا وشمالا يلتمسون الماء، فقتل العطش أكثرهم ولم يسلم مع فيروز في إلا عدة يسيرة، فانتهى إليهم اخشنوار يجيشه فواقعهم في تلك الحال التي هم فيها من القلة والضر والجهد، فاستمكنوا منهم بعد أن أعظموا النكاية فيهم، وأسر فيروز، فرغب اخشنوار أن يمن عليه وعلى من بقي من أصحابه، على أن يجعل له عهد الله وميثاقه أن لا يغزوهم أبدا ما بقي، وعلى أن يحد فيما بينه وبين مملكتهم حدا لا يتجاوزه جنوده. فرضى اخشنوار بذلك، فخلى سبيله، وجعلا بين المملكتين حجرا لا يتجاوزه كل واحد منهما. فمكث فيروز برهة من دهره، ثم حمله الأنف على أن يعود لغزو الهياطلة، ودعا أصحابه إلى ذلك فنهوه عنه وقالوا إنك قد عاهدته ونحن تخوف عليك عاقبة البغي والغدر، مع ما في ذلك من العار وسوء القالة فقال لهم: إنما اشترطت له أن لا أجوز الحجر الذي جعلناه بيننا، وأنا آمر بالحجر فيحمل أمامنا على عجل فقالوا أيها الملك إن العهود والمواثيق التي يتعاطاها الناس بينهم لا تحمل على ما يسره المعطي لها، ولكن على ما يعلن
(٤٠١)