وقد كان مما سيق إلينا من النصر والفلج، وأتيح لنا من الظفر وبلغنا في العدو من النكاية والبطش ما يعجز القول عن وصفه، ويقصر شكر المنعم عن موقع الإنعام به، وكان من ذلك أنا جاوزنا أرض سورية والجزيرة إلى بابل وأرض فارس، فلما حللنا بعقوة أهلها وساحة بلادهم، لم يكن إلا ريثما تلقانا نفر منهم برأس ملكهم هدية إلينا، وطلبا للحظوة عندنا، فأمرنا بصلب من جاء به وشهرته لسوء بلائه وقلة ارعوائه ووفائه، ثم أمرنا بجمع من كان هناك من أولاد أبناء ملوكهم وأحرارهم وذوي الشرف منهم، فرأينا رجالا عظيمة أجسامهم وأحلامهم، حاضرة ألبابهم وأذهانهم، رائعة مناظرهم ومناطقهم دليلا على أن ما يظهر من روائهم ومنطقهم أن وراء من قوة أيديهم وشدة نجدتهم وبأسهم ما لم يكن، ليكون لنا سبيل إلى غلبتهم وإعطائهم بأيديهم لولا أن القضاء أدا لنا منهم وأظفرنا بهم وأظفرنا عليهم، ولم نر بعيدا من الرأي في أمرهم أن نستأصل شأفتهم ونجتث أصلهم ونلحقهم بمن مضى من أسلافهم، لتسكن القلوب بذلك إلى الأمن من جرائرهم وبوائقهم، فرأينا أن لا نعجل بإسعاف بادئ الرأي في قتلهم دون الاستظهار عليهم بمشورتك فيهم، فارفع إلينا رأيك فيما استشر ناك فيه بعد صحته عندك وتقليبك إياه بجلي نظرك. وسلام أهل السلام فليكن علينا وعليك.
فكتب إليه أرسطو: لملك الملوك وعظيم العظماء الإسكندر، المؤيد بالنصر على الأعداء، المهدى له الظفر بالملوك، من أصغر عبيده وأقل خوله أرسطو طاليس، ليس البخوع بالسجود والتذلل في السلام، والإذعان في الطاعة أما بعد فإنه لا قوة بالمنطق وإن احتشد الناطق فيه واجتهد في تثقيف معانيه وتأليف حروفه ومبانيه على الإحاطة، بأقل ما تناله القدرة من بسطة علو الملك وسموا ارتفاعه عن كل قول وإبرازه على كل وصف واعترافه بكل إطناب.