كافة فلا بد أن تكون معجزته بحيث يستطيع كل من واجهها: أن يدرك إعجازها، وأنها أمر خارق للعادة وأنها صادرة عن قدرة عليا، وقوة قاهرة، تهيمن على النواميس الطبيعية، وتقهرها. وإلا فإنه إذا جاء شخص مثلا إلى بلد، وادعى أنه يعرف اللغة الفلانية، ولم يكن أحد في البلد يعرف شيئا من تلك اللغة، ولا سمع بها، فإنهم لا يستطيعون أن يحكموا بصدقه ولا بكذبه، إذ ليس لهم طريق لاثبات هذا الصدق أو الكذب.
وأما إذا ادعى أمرا لهم خبرة فيه، واستطاعوا ان يتلمسوا فيه مواقع خرقه للنواميس الطبيعية فلا بد لهم من التسليم له والقبول بدعوته، لان ذلك يكون قاطعا لعذرهم، وموجبا لخضوع عقولهم لما يأتي به.
وبكلمة.. لا بد أن تكون معجزة النبي في كل عصر متناسبة مع خبرات ذلك العصر، ولكل من أرسل إليهم، ليمكن إثبات إعجازها لهم، وإقامة الحجة عليهم. وإذا كان القرآن قد تحداهم أن يأتوا بسورة واحدة من مثله، فلا بد أن يكون وجه الاعجاز فيه ساريا ليصل حتى إلى أصغر سورة فيه.
وإذا نظرنا إلى ما ذكروه آنفا، فإننا نجد أن بعض السور لا تشتمل على شئ مما ذكروه. مع أن التحدي به وارد.
أضف إلى ذلك: أن الاخبار بالغيب مثلا لا يمكن ان يكون قاطعا لعذر من ألقي إليهم إلا بعد تحقق المخبر عنه. وقد يطول ذلك إلى سنوات عديدة. أما من يأتون بعد ذلك فلربما يصعب عليهم الجزم بتحقق ما أخبر به.
أما القضايا العلمية - فلربما لا يكون من بينهم من له الخبرات اللازمة في تلك العلوم، ليمكن إدراك الاعجاز فيها، فإن ذلك رهن بتقدم العلم، وتمكن العلماء من استجلاء تلك الحقائق من القرآن.
وحتى لو أدرك ذلك بعضهم، فلربما يحمله اللجاج، أو غير ذلك