تلوين هذه الصورة، فقالوا: كان يقف عن يمينه خادم وعن شماله خادم يناوله الأول ملعقة فيتناول بها لقمة ويرميها إلى الخادم الذي عن يساره، كل ذلك كراهة أن يعيد الملعقة إلى فمه.
ولكن الشخص الذي كان بهذا المستوى، كان أولى به أن لا ينادم مثل أبي الفرج الأصفهاني، وأمره على المائدة معروف.
أقول كان أولى به ثانيا أن يبتني قصرا أو يتخذ دارا تناسب مقامه وهو وزير بغداد فقد كانت داره على الرغم مما نعتها الناعتون دارا عادية لا متانة تميزها، ولا زخرف يبهجها، كانت تتداعى جوانبها أو جوانب منها ولا يملك الوزير إلا أن يرمم ما تساقط.
ثم أخيرا كان بذلك يمكن لمعز الدولة أن يسجل عليه أزمة، إذ كان معز الدولة يتحين بالمهلبي الفرص. وتكون حينئذ مسوغا لكي يجدد له الانتقام.
حياته السياسية عرف التاريخ المهلبي وكيلا لعامل من عمال البريديين على مدينة السوس إحدى مدن الأهواز سنة خمس وعشرين وثلاثمائة للهجرة. وقد كانت الدولة العباسية قد تقاسمها القواد والأمراء، فكانت واسط والبصرة والأهواز في أيدي البريديين، وكرمان في يد أبي علي بن إلياس، وفارس والجبل والري وأصفهان في يد ابني بويه.
واتسعت مطامح بني بويه، وتحرك أحمد معز الدولة فيما بعد نحو بلاد الأهواز غازيا، عام ست وعشرين وثلاثمائة ليضمها إلى سلطانهم في الري...
ثم ليجعلها طريقه إلى وصول بغداد. وهكذا الأمر فيما بعد...
والتقى طموح أحمد بن بويه بكبرياء المهلبي وهو الأمير على مدينة السوس، فقطع المهلبي على معز الدولة الطريق، وسيطر على مدن كثيرة، وحاصره في مدينة عسكر مكرم، حتى اضطرب رجال معز الدولة، وكادوا أن يتفرقوا عنه.
وكانت إحدى المواقف العسكرية التي خاضها المهلبي ونجح فيها نجاحا جيدا، لولا مساندة بني بويه بعضهم لبعض، وما حصل من إمداد عسكري أنقذ موقف معز الدولة.
وبدأت كفايات الرجل تنفس عن نفسها، وقد وجهها وصقلها تلك الأعمال الإدارية والعسكرية التي أنيط به أمر تدبيرها. ورأى أن مستقبل الأهواز والبصرة وواسط بيد بني بويه ولا ضير من ذلك ولعله أهون الخطرين. فالدولة العباسية في تفكك والإمبراطورية المترامية يتوزعها زعماء ليكونوا منها نواة دويلات... فلتكن بغداد والبصرة والأهواز والري وفارس وأصفهان بيد قائد قوي... وليكن بعد ذلك ما يكون.
واستقر أحمد بن بويه في عسكر مكرم له قصبتها دون ما سواها ينتظر النصرة من أخيه.
ويتم بينه وبين المهلبي لقاء... أسفر بعد سنوات عن عبء يحمله المهلبي ليسكن روع الخليفة العباسي المستكفي بالله في مخبأه والأمير ابن شيرزاد وزيره في مكان استتاره ثم يتم الأمر لأحمد بن بويه. ويتخذ بغداد عاصمة دولته وأبا جعفر الصيمري وزيره ويستكتب المهلبي ويكون موطن سره ومؤتمن مشورته، ويجعله يخلف الصيمري على الوزارة حين تستدعي الأمور أن يكون الصيمري بعيدا عن بغداد.
ويبدو أن المنافس الوحيد للمهلبي يومذاك هو أبو جعفر الصيمري، ولذا فإنه، حين يلبي الصيمري نداء ربه سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة يكون قد اتسع المجال أمام المهلبي، ليأخذ مكانه الجدير به، إذ لا منافس حينئذ مع قدراته وقابلياته على أن يكون وزير بغداد ومدبر شؤونها، قال أحمد بن مسكويه وسبب ذلك يعني اختيار معز الدولة للمهلبي أنه وجده جامعا لأدوات الرياسة، وكان لا يجمعها غيره، وإن كان فيهم من هو أرجح كتابة... وأيضا فقد أنس به على طول الزمان... وإنه يعني المهلبي عرف غوامض الأمور وأسرار المملكة فالتزم الأمر فكان خير من أنيط به، وأصلح كثيرا مما أفسدته الأيام.
ولكن فيما يبدو لم يسم بالوزارة، إلا بعد ست سنوات من هذا التاريخ، أعني سنة خمس وأربعين وثلاثمائة إذ فيها كما يقول مسكويه خوطب أبو محمد المهلبي بالوزارة بأمر معز الدولة، وخلع عليه وزاد في إقطاعه.
كما حظي بخلعة الخليفة العباسي وهو يومئذ المطيع فيلقبه بالوزارة، وتجتمع له كما يقولون وزارة الخليفة ووزارة السلطان، فيلقب بذي الوزارتين.
نكبة المهلبي يقول ابن الأثير في حوادث سنة 341: في هذه السنة في ربيع الأول ضرب معز الدولة وزيره أبا محمد المهلبي بالمقارع مائة وخمسين مقرعة، ووكل به في داره، ولم يعزله من وزارته وكان نقم عليه أمورا ضربه بسببها.
ولم يوضح ابن الأثير شيئا من تلك الأمور التي سببت هذه العقوبة الفاسية للمهلبي.
ويرى بعضهم أن من تلك الأمور معارضة المهلبي لمعز الدولة أن الثاني أراد نقل العاصمة من بغداد وأن الأول عارض في ذلك فاكتفى معز الدولة بنقل مقره إلى أعلى بغداد من الجانب الشرقي في البستان المعروف بالصيمري، فهواؤه نقي، وماؤه أصح وإذا كان لا بد من بناء فيبنى قصر في جوار باب الشماسية وان معارضة المهلبي هذه تركت اثرا سيئا في نفس المعز، فقد شاب العلاقة بينهما صراع خفي بدأ ينفس عن نفسه حين طلب المعز إلى المهلبي أن يوجه وجوه الأموال إلى بناء هذا القصر فاخذ يحتج عليه بقصر الدخل عن المصروف، وكان يلقى منه عنتا حتى اضطره آخر الأمر إلى أن يتولى الأمر بنفسه على أن يكون في هذا تخلص من المأزق.
على أن ابن الأثير يروي قصة بناء القصر في أحداث سنة 350 ويعلل ذلك بان معز الدولة مرض مرضا شديدا، ثم عوفي منه. ثم يقول ابن الأثير: فعزم معز الدولة على المسير إلى الأهواز لأنه اعتقد أن ما اعتاده من الأمراض إنما هو