قال: لما نزل ابن الحضرمي ببني تميم أرسل إلى الرؤوس فأتوه، فقال لهم: أجيبوني إلى الحق وانصروني على هذا الأمر، وإن الأمير بالبصرة يومئذ زياد بن عبيد قد استخلفه عبد الله بن عباس وقدم على علي ع إلى الكوفة يعزيه عن محمد بن أبي بكر قال: فقام إليه صحار فقال: إي والذي له أسعى، وإياه أخشى لننصرنك بأسيافنا وأيدينا.
وقام المثنى بن مخربة (1) العبدي فقال: لا، والذي لا إله إلا هو لئن لم ترجع إلى مكانك الذي أقبلت منه لنأخذنك بأسيافنا وأيدينا ونبالنا وأسنة رماحنا، أنحن ندع ابن عم نبينا وسيد المسلمين وندخل في طاعة حزب من الأحزاب طاع! والله لا يكون ذلك أبدا حتى نسير كتيبة إلى كتيبة ونفلق الهام بالسيوف.
قال: فاقبل ابن الحضرمي على صبرة بن شيمان الأزدي (2) فقال: يا صبرة أنت رأس قومك وعظيم من عظماء العرب وأحد الطلبة بدم عثمان، رأينا رأيك، ورأيك رأينا، وبلاء القوم عندك في نفسك وعشيرتك ما قد ذقت ورأيت، فانصرني وكن من دوني، فقال له: إن أنت أتيت فنزلت في داري نصرتك ومنعتك، فقال: إن أمير المؤمنين معاوية أمرني أن أنزل في قومه من مضر، فقال: اتبع ما أمرك به. وانصرف من عنده.
وأقبل الناس إلى ابن الحضرمي فكثر تبعه ففزع لذلك زياد وهاله وهو في دار الامارة فبعث إلى الحضين بن المنذر (3) ومالك بن مسمع (4) فدعاهما فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فإنكم أنصار أمير المؤمنين وشيعته وثقته وقد جاءكم هذا الرجل بما قد بلغكم فأجيروني حتى يأتيني أمر أمير المؤمنين ورأيه، فاما مالك بن مسمع فقال: هذا أمر لي فيه نظر، فارجع إلى من ورائي وأنظر وأستشير في ذلك وألقاك، وأما الحضين بن المنذر فقال: نعم، نحن فاعلون ولن نخذلك ولن نسلمك، فلم ير زياد من القوم ما يطمئن إليه.
فبعث إلى صبرة بن شيمان الأزدي فقال: يا ابن شيمان أنت سيد قومك وأحد عظماء هذا المصر فان يكن فيه أحد هو أعظم أهله فأنت، أفلا تجيرني وتمنعني؟ وتمنع بيت مال المسلمين؟ فإنما أنا أمين عليه، فقال: بلى، إن أنت تحملت حتى تنزل في داري منعتك، فقال له: إني فاعل فحمله ثم ارتحل ليلا حتى نزل دار صبرة بن شيمان وكتب إلى عبد الله بن عباس، ولم يكن معاوية ادعى زيادا بعد لأنه إنما ادعاه بعد وفاة علي ع.
بسم الله الرحمن الرحيم للأمير عبد الله بن عباس من زياد بن عبيد سلام عليك، أما بعد، فان عبد الله بن عامر الحضرمي أقبل من قبل معاوية حتى نزل في بني تميم، ونعى ابن عفان، ودعا إلى الحرب فبايعه جل أهل البصرة فلما رأيت ذلك استجرت بالأزد بصبرة بن شيمان وقومه لنفسي ولبيت مال المسلمين، فرحلت من قصر الامارة فنزلت فيهم وأن الأزد معي، وشيعة أمير المؤمنين من سائر القبائل تختلف إلى، وشيعة عثمان تختلف إلى ابن الحضرمي، والقصر خال منا ومنهم، فارفع ذلك إلى أمير المؤمنين ليرى فيه رأيه ويعجل علي بالذي يرى أن يكون فيه منه، والسلام. قال: فرفع ذلك ابن عباس إلى علي ع فشاع في الناس بالكوفة ما كان من ذلك، وكانت بنو تميم وقيس ومن يرى رأي عثمان قد أمروا ابن الحضرمي أن يسير إلى قصر الامارة حين خلاه زياد، فلما تهيا لذلك ودعا له أصحابه ركبت الأزد وبعثت إليه وإليهم: إنا والله لا ندعكم تأتون القصر، فتنزلون به من لا نرضى ومن نحن له كارهون حتى يأتي رجل لنا ولكم رضى، فأبى أصحاب ابن الحضرمي إلا أن يسيروا إلى القصر وأبث الأزد إلا أن يمنعوهم، فركب الأحنف فقال لأصحاب ابن الحضرمي: إنكم والله ما أنتم بأحق بقصر الامارة من القوم، وما لكم أن تؤمروا عليهم من يكرهونه، فانصرفوا عنهم، ثم جاء إلى الأزد فقال: إنه لم يكن ما تكرهون ولن يؤتى إلا ما تحبون فانصرفوا رحمكم الله، ففعلوا.
وعن الكلبي أن ابن الحضرمي لما أتى البصرة ودخلها نزل في بني تميم في دار سنبل (5) ودعا بني تميم وأخلاط مضر، فقال زياد لأبي الأسود الدئلي:
أما ترى ما صنع أهل البصرة إلى معاوية وما في الأزد لي مطمع، فقال: إن كنت تركتهم لم ينصروك وإن أصبحت فيهم منعوك، فخرج زياد من ليلته وأتى الأزد ونزل على صبرة بن شيمان فأجاره فبات ليلته فلما أصبح قال له صبرة: يا زياد ليس حسنا بنا أن تقوم فينا مختفيا أكثر من يومك هذا، فاتخذ له منبرا وسريرا في مسجد الحدان (6) وجعل له شرطا وصلى بهم الجمعة في مسجد الحدان.
وغلب ابن الحضرمي على ما يليه من البصرة وجباها، واجتمعت الأزد على زياد فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا معشر الأزد أنتم كنتم أعدائي فأصبحتم أوليائي وأولى الناس بي، وإني لو كنت في بني تميم وابن الحضرمي فيكم نازلا لم أطمع فيه أبدا وأنتم دونه، فلا يطمع ابن الحضرمي في وأنتم دوني، وليس ابن اكلة الأكباد في بقية الأحزاب وأولياء الشيطان بأدنى إلى الغلبة من أمير المؤمنين علي في المهاجرين والأنصار، وقد أصبحت فيكم مضمونا، وأمانة مؤداة، وقد رأينا وقعتكم يوم الجمل فاصبروا مع الحق كصبركم مع الباطل فإنكم لا تحمدون إلا على النجدة، ولا تعذرون على الجبن.
فقام شيمان أبو صبرة ولم يكن شهد يوم الجمل، وكان غائبا، فقال: يا معشر الأزد ما أبقت عواقب الجمل عليكم إلا سوء الذكر، وقد كنتم أمس على علي ع فكونوا اليوم له واعلموا أن إسلامكم جاركم ذل