فقال له الضحاك بن عبد الله يا بن السوداء (1) والله لا يعز من نصرت ولا:
يذل من خذلت، فتشاتما.
والضحاك هو الذي يقول:
يا أيهذا السائلي عن نسبي * بين ثقيف وهلال منصبي أمي أسماء وضحاك أبي * وسيط مني المجد من معتبي وهو القائل في بني العباس:
ما ولدت من ناقة لفحل * بجبل نعلمه وسهل كستة من بطن أم الفضل (2) * أكرم بها من كهلة وكهل عم النبي المصطفى ذي الفضل * وخاتم الأنبياء بعد الرسل (3) فقام عبد الرحمن بن عمير بن عثمان القرشي ثم التيمي (4) فقال: عباد الله إنا لم ندعكم إلى الاختلاف والفرقة، ولا نريد أن تقتتلوا ولا نريد أن تتنابذوا، ولكنا إنما ندعوكم لجمع كلمتكم وتوازروا إخوانكم الذين هم على رأيكم، وأن تلموا شعثكم (5) وتصلحوا ذات بينكم، فمهلا مهلا رحمكم الله اسمعوا لهذا الكتاب الذي يقرأ عليكم، ففضوا كتاب معاوية وإذا فيه:
بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله معاوية أمير المؤمنين إلى من قرئ عليه كتابي هذا من المؤمنين والمسلمين من أهل البصرة، سلام عليكم، أما بعد، فان سفك الدماء بغير حلها، وقتل النفس التي حرم الله قتلها هلاك موبق وخسران مبين، لا يقبل الله ممن سفكها صرفا ولا عدلا (6) وقد رأيتم رحمكم الله آثار ابن عفان وسيرته وحبه للعافية ومعدلته وسده للثغور، وإعطاءه بالحقوق، وإنصافه للمظلوم، وحبه الضعيف، حتى وثب الواثبون عليه، وتظاهر عليه الظالمون فقتلوه مسلما محرما ظمآن صائما، لم يسفك فيهم دما ولم يقتل منهم أحدا، ولا يطلبونه بضربة سيف ولا سوط، وإنما ندعوكم أيها المسلمون إلى الطلب بدمه وإلى قتال من قتله، فانا وإياكم على أمر هدى واضح، وسبيل مستقيم، إنكم إن جامعتمونا طفئت النائرة (7)، واجتمعت الكلمة، واستقام أمر هذه الأمة، وأقر الظالمون المتوثبون الذين قتلوا إمامهم بغير حق، فأخذوا بجرائرهم (8) وما قدمت أيديهم، إن لكم علي أن أعمل فيكم بالكتاب وأن أعطيكم في السنة عطاءين، ولا أحتمل فضلا من فيئكم عنكم أبدا، فنازعوا إلى ما تدعون إليه رحمكم الله وقد بعثت إليكم رجلا من الناصحين وكان من أمناء خليفتكم المظلوم ابن عفان وعماله وأعوانه على الهدى والحق، جعلنا الله وإياكم ممن يجيب إلى الحق ويعرفه، وينكر الباطل ويجحده، والسلام عليكم ورحمة الله.
فلما قرئ عليهم الكتاب قال عظماؤهم (9): سمعنا وأطعنا.
عن أبي منقر الشيباني قال: قال الأحنف بن قيس لما قرئ عليهم الكتاب: أما أنا فلا ناقة لي في هذا ولا جمل واعتزل أمرهم ذلك.
وقال عمرو بن مرجوم من عبد قيس: أيها الناس الزموا طاعتكم، ولا تنكثوا بيعتكم فتقع بكم واقعة وتصيبكم قارعة، ولا تكن لكم بعدها بقية، ألا أني قد نصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين.
حدثنا ثعلبة بن عباد (10) أن الذي كان سدد لمعاوية رأيه في إرسال ابن الحضرمي كتاب كتبه إليه صحار بن عباس العبدي (11) وهو ممن كان يرى رأي عثمان ويخالف قومه في حبهم عليا ع ونصرتهم إياه.
قال: فكتب إلى معاوية: أما بعد، فقد بلغنا وقعتك باهل مصر الذين بغوا على إمامهم وقتلوا خليفتهم ظلما وبغيا، فقرت بذلك العيون وشفيت بذلك النفوس، وثلجت أفئدة أقوام كانوا لقتل عثمان كارهين، ولعدوه مفارقين، ولكم موالين، وبكم راضين، فان رأيت أن تبعث إلينا أميرا طيبا زاكيا، ذا عفاف ودين يدعو إلى الطلب بدم عثمان فعلت، فاني لا إخال الناس إلا مجمعين عليك فان ابن عباس غائب عن الناس، والسلام.
فلما قرأ معاوية كتابه قال: لا عزمت رأيا سوى ما كتب به إلي هذا، وكتب إليه جوابه: أما بعد، فقد قرأت كتابك فعرفت نصيحتك، وقبلت مشورتك، فرحمك الله وسددك، أثبت هداك الله على رأيك الرشيد، فكأنك بالرجل الذين سالت قد أتاك، وكأنك بالجيش قد أطل عليك، فسررت وحييت وقبلت، والسلام.