عثمان، واحذر ربيعة وأنزل في مضر وتودد الأزد، فان الأزد كلهم جميعا معك إلا قليلا منهم فإنهم غير مخالفيك، واحذر من تقدم عليه.
فقال له عبد الله بن عامر: أنا سهمك في كنانتك: وأنا من قد جربت وعدو أهل حربك وظهيرك على قتلة عثمان فوجهني إليهم متى شئت، فقال له: اخرج غدا إن شاء الله، فودعه وأخذ بيده وخرج من عنده.
فلما كان الليل جلس معاوية وأصحابه يتحدثون، فقال لهم معاوية: في أي منزل ينزل القمر الليلة؟ فقالوا: بسعد الذابح فكره معاوية ذلك وأرسل إليه أن: لا تبرح حتى يأتيك رسولي، فأقام.
ورأى معاوية أن يكتب إلى عمرو بن العاص، وكان عامله يومئذ على مصر يستطلع رأيه في ذلك فكتب إليه:
بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله معاوية أمير المؤمنين إلى عمرو بن العاص وقد كان يسمى بأمير المؤمنين بعد صفين وبعد تحكيم الحكمين:
سلام عليك.
أما بعد، فاني قد رأيت رأيا هممت بامضائه ولم يخذلني عنه إلا استطلاع رأيك، فان توافقني أحمد الله وأمضيه، وإن تخالفني فأستجير بالله وأستهديه، إني نظرت في أمر أهل البصرة فوجدت عظم أهلها لنا وليا ولعلي وشيعته عدوا، وقد أوقع بهم علي الوقعة التي علمت، فأحقاد تلك الدماء ثابتة في صدورهم لا تبرح ولا تريم، وقد علمت أن قتلنا ابن أبي بكر ووقعتنا باهل مصر قد أطفأت نيران أصحاب علي في الآفاق، ورفعت رؤوس أشياعنا أينما كانوا من البلاد.
وقد بلغ من كان بالبصرة على مثل رأينا من ذلك ما بلغ الناس، و أحد ممن يرى رأينا أكثر عددا ولا أضر خلافا ليس على علي من أولئك، فقد رأيت أن إليهم عبد الله بن عامر الحضرمي فينزل في أبعث مضر، ويتودد الأزد، ويحذر ربيعة، ونعى دم عثمان بن عفان ويذكرهم وقعة علي بهم التي أهلكت صالحي إخوانهم وآبائهم أبنائهم، فقد رجوت عند ذلك أن يفسدوا على علي وشيعته ذلك الفرج (1) من الأرض، ومتى يؤتوا من خلفهم وأمامهم يضل سعيهم ويبطل كيدهم، فهذا رأيي فما رأيك؟. فلا تحبس رسولي إلا قدر مضي الساعة التي ينتظر فيها جواب كتابي هذا، أرشدنا الله وإياك، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.
فكتب عمرو بن العاص إلى معاوية، أما بعد فقد بلغني كتابك، فقرأته وفهمت: رأيك الذي رأيته فعجبت له، والذي ألقاه في روعك وجعله في نفسك هو قلت: إن الثائر لابن عفان والطالب بدمه، وإنه لم يك منك ولا منا منذ نهضنا في هذه الحروب ونادينا أهلها ولا رأى الناس رأيا أضر على عدوك ولا أسر لوليك من هذا الأمر الذي ألهمته، فامض رأيك مسددا فقد وجهت الصليب الأديب الأريب الناصح غير الظنين والسلام.
فلما جاءه كتاب عمرو، دعا ابن الحضرمي وقد كان ظن حين تركه معاوية أياما لا يأمره بالشخوص أن معاوية قد رجع عن إشخاصه إلى ذلك الوجه فقال لمعاوية: يا ابن الحضرمي سر على بركة الله إلى هل البصرة فانزل في مضر، واحذر ربيعة وتودد الأزد، وانع عثمان بن عفان، وذكرهم الوقعة التي أهلكتهم، ومن (2) لمن سمع وأطاع دنيا لا تفنى وأثرة (3) لا يفقدها حتى يفقدنا أو نفقده، فودعه! ثم خرج من عنده وقد دفع إليه كتابا وأمره إذا قدم أن يقرأه على الناس.
قال عمرو بن محصن: وكنت معه حين خرج.
قال: فلما خرجنا فسرنا ما شاء الله أن نسير، سنح لنا ظبي أعضب (4) عن شمائلنا قال: فنظرت إليه فوالله لرأيت الكراهية في وجهه. ثم مضينا حتى نزلنا البصرة في بني تميم فسمع بقدومنا أهل البصرة فجاءنا كل من يرى رأي عثمان بن عفان (5) فاجتمع إلينا رؤوس أهلها، فحمد الله ابن عامر الحضرمي وأثنى عليه ثم قال: أما بعد، أيها الناس فان عثمان إمامكم إمام الهدى قتله علي بن أبي طالب ظلما، فطلبتم بدمه، وقاتلتم من قتله، فجزاكم من أهل مصر خيرا، وقد أصيب منكم الملأ الأخيار وقد جاءكم الله بإخوان لكم، لهم باس شديد يتقى، وعدد لا يحصى فلقوا عدوكم الذين قتلوكم فبلغوا الغاية التي أرادوا صابرين، فرجعوا وقد نالوا ما طلبوا، فمالئوهم وساعدوهم وتذكروا ثاركم تشفوا (6) صدوركم من عدوكم.
فقام إليه الضحاك بن عبد الله الهلالي فقال: قبح الله ما جئتنا ودعوتنا إليه جئتنا والله بمثل ما جاء به صاحباك طلحة والزبير، أتيانا وقد بايعنا عليا ع واجتمعنا له، وكلمتنا واحدة، ونحن على سبيل مستقيم فدعوانا إلى الفرقة وقاما فينا بزخرف القول، حتى ضربنا بعضنا ببعض عدوانا وظلما فاقتتلنا على ذلك، وأيم الله ما سلمنا من عظيم وبال ذلك ونحن الآن مجتمعون على بيعة ذا العبد الصالح الذي قد أقال العثرة وعفا عن المسئ وأخذ بيعة غائبنا وشاهدنا أفتأمرنا الآن أن نختلع أسيافنا من أغمادها ثم يضرب بعضنا بعضا ليكون معاوية أميرا وتكون له وزيرا، ونعدل بهذا الأمر عن علي ع؟! والله ليوم من أيام علي ع مع النبي ص خير من بلاء معاوية وآل معاوية لو بقوا في الدنيا ما الدنيا باقية.
فقام عبد الله بن خازم السلمي (7) فقال للضحاك: اسكت فلست باهل أن تتكلم في أمر العامة ثم أقبل على ابن الحضرمي فقال: نحن يدك وأنصارك، والقول ما قلت، قد فهمنا ما ذكرت فادعنا إلى أي شئ شئت و،